لأول الحشر فكان أول حشر إلى الشام. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخرجوا إلى أرض المحشر ثم تحشر الخلائق يوم القيامة إلى الشام، وقيل الحشر الثاني نار تحشرهم يوم القيامة.
١ - باب قَوْلِهِ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً
(باب قوله) تعالى: ({ما قطعتم من لينة}) [الحشر: ٥] أي من (نخلة) فعلة (ما لم تكن عجوة أو برنية) ضرب من التمر وقيل اللينة النخلة مطلقًا، وقيل ما تمرها لون وهو نوع من التمر أيضًا، وقيل تمر شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس، وقيل هي أغصان الشجر للينها وما شرطية في موضع نصب بقطعتم ومن لينة بيان لها وفبإذن الله جواب الشرط لا بدّ من حذف مضاف تقديره فقطعها باذن الله، وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
٤٨٨٤ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: ٥].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن نافع عن ابن
عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرّق نخل بني النضير) لما نزل بهم وكانوا تحصنوا بحصونهم (وقطعـ) ـها إهانة لهم وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم (وهي البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة راء موضع بقرب المدينة ونخل لبني النضير فقالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها (فأنزل الله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها}) الضمير عائد على ما وأنت لأنه مفسر باللينة ({قائمة على أصولها فبإذن الله}) أي خيركم في ذلك ({وليخزي}) بالإذن في القطع ({الفاسقين}) اليهود في اعتراضهم بأن قطع الشجر المثمر فساد واستدلّ به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم.
٢ - باب {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({ما أفاء الله على رسوله}) [الحشر: ٧] قال الزمخشري: لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى وسقط باب لغير أبي ذر.
٤٨٨٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً، يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (غير مرة عن عمرو) هو ابن دينار (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة (عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كانت أموال بني النضير) الحاصلة منهم للمسلمين من غير مشقة (مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما أعاده عليه بمعنى صيّره له أو ردّه عليه فإنه كان حقيقًا بأن يكون له لأنه تعالى خلق الإنسان لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين (مما لم يوجف المسلمون) بكسر الجيم مما لم يسرع المسلمون المسير ولم يقاتلوا (عليه) الأعداء (بخيل) بفرسان (ولا ركاب) بكسر الراء بل يسار عليها إنما خرجوا إليهم من المدينة مشاة لم يركب إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونزل الأعداء من حصونهم من الرعب الواقع في قلوبهم من هيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فكانت) أموالهم أي معظمها (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة) في حياته ومن ذكر معه في قوله: فَلِلَّهِ وللرسول ولذي القربى أي من بني هاشم وبني المطلب واليتامى وهم أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء والمساكين وهم ذوو الحاجات من المسلمين وابن السبيل وهو المنقطع في سفره من المسلمين على ما كان يقسمه عليه الصلاة والسلام من أن لكلٍّ منهم خُمس الُخمس وله عليه الصلاة والسلام الباقي وهو أربعة أخماس وخُمس الخُمس فهي أحد وعشرون سهمًا يفعل فيها ما يشاء (ينفق على أهله منها نفقة سنته) تطييبًا لقلوبهم وتشريعًا للأمة ولا يعارضه حديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يدّخر شيئًا لغد لأنه كان قبل السعة أو
لا يدّخر لنفسه بخصوصها (ثم يجعل ما بقي) بعد (في السلاح) ما يقاتل به الكفار كالسيف وغيره من آلات الحديد (والكراع) بضم الكاف الخيل (عدة) بضم العين يستعان بها (في سبيل الله) وأما بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصرف ما كان له من خمُس الخُمس لمصالحنا كسدّ ثغور وقضاة وعلماء والأخماس الأربعة للمرتزقة وهم المرصدون للجهاد بتعيين الإمام لهم، وقال المالكية: لا يخمس الفيء بل هو موكول إلى اجتهاد الإمام، واستدلوا بهذا الحديث، واستدلّ الشافعية بآية: {ما أفاء الله على رسوله} [الحشر: ٧] الآية