ونسبه لجده (قال: أخبرني) بالإفراد (السائب بن يزيد) الكندي صحابي صغير أنه (سمع سفيان بن أبي زهير الشني) بفتح الشين المعجمة وكسر النون المشددة والتحتية المشددة، ولأبي ذر بالتنوين بفتح النون المخففة وزيادة واو مكسورة بعدها وفي نسخة الشنئي بفتح الشين والنون وبهمزة مكسورة نسبة إلى شنوءة (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا) أي لا ينفعه من جهة الزرع والضرع وفي القاموس الضرع معروف للظلف والخف أو للشاة والبقرة ونحوهما (نقص من عمله كل يوم قيراط فقال السائب) لسفيان بن أبي زهير: (أنت سمعت هذا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) سفيان: (إي ورب هذه القبلة). بكسر الهمزة حرف جواب بمعنى نعم، فيكون لتصديق الخبر وإعلام المستخبر ولوعد الطالب وتوصل باليمين ما وقع هنا، ولم يظهر له تعلق بعض هذه الأحاديث بترجمة الباب، وما ذكره الكرماني من قوله: إن هذا آخر كتاب بدء الخلق وإنه ذكر فيه ما ثبت عنده مما يتعلق ببعض المخلوقات فلا يخفى بعده. والله الموفق.
هذا آخر كتاب بدء الخلق وتم في يوم الأربعاء المبارك العشرين من شهر شوّال سنة عشر وتسعمائة، وأستودع الله تعالى نفسي وديني وابنتي وأحبابنا والمسلمين وأن يطيل أعمارنا في طاعته، ويلبسنا أثواب عافيته بمنه ورحمته، ويفرّج كربنا ويحسن عاقبتنا والمسلمين ويرفع هذا الطعن والطاعون والوباء عنا أجمعين، ويمن بإكمال هذا الكتاب على يدي ويجعله لوجهه الكريم وينفعني به والمسلمين والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
[٦٠ - كتاب أحاديث الأنبياء]
١ - باب خَلْقِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ
{صَلْصَالٌ}: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَيُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ، كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِغْلَاقِ, مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ. {فَمَرَّتْ بِهِ}: اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ. {أَنْ لَا تَسْجُدَ}: أَنْ تَسْجُدَ. وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}: إِلَاّ عَلَيْهَا حَافِظٌ {فِي كَبَدٍ}: فِي شِدَّةِ خَلْقٍ. {وَرِيَاشًا}: الْمَالُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {مَا تُمْنُونَ}: النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}: النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ. كُلُّ شَىْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ {شَفْعٌ}: السَّمَاءُ شَفْعٌ. {وَالْوِتْرُ}: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}: فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ، {أَسْفَلَ سَافِلِينَ}: إِلَاّ مَنْ آمَنَ. {خُسْرٍ}: ضَلَالٌ، ثُمَّ اسْتَثْنَى إِلَاّ مَنْ آمَنَ. {لَازِبٍ}: لَازِمٌ. {نُنْشِئَكُمْ}: فِي أَىِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}: نُعَظِّمُكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}: فَهْوَ قَوْلُهُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}. {فَأَزَلَّهُمَا}: فَاسْتَزَلَّهُمَا. وَ {يَتَسَنَّهْ}: يَتَغَيَّرْ. {آسِنٌ}: مُتَغَيِّرٌ. و {الْمَسْنُونُ} الْمُتَغَيِّرُ. {حَمَإٍ}: جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهْوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ. {يَخْصِفَانِ}: أَخْذُ الْخِصَافِ {مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. {سَوْآتُهُمَا}: كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيهِمَا. {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} هَا هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ. {قَبِيلُهُ}: جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ.
(باب) ذكر (خلق آدم) صلوات الله عليه وسلامه (و) ذكر خلق (ذريته) وفي نسخة صحيحة كما في اليونينية: كتاب الأنبياء وعددهم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفًا أرسل منهم ثلاثمائة
وثلاثة عشر كما صححه ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعًا صلوات الله عليهم، وفي أخرى كتاب أحاديث الأنبياء عليهم السلام باب: خلق آدم صلوات الله عليه وذريته.
({صلصال}) [الحجر: ٢٦]. في قوله تعالى: {خلق الإنسان من صلصال} هو (طين) يابس (خلط برمل فصلصل) أي صوّت (كما يصلصل الفخار) يصوّت إذا نقر (ويقال منتن) بضم الميم (يريدون به صل) فضوعف فاء الفعل فصار صلصل (كما يقال) ولأبي ذر وأبي الوقت كما تقول (صرّ الباب) إذا صوّت (وصرصر عن الإغلاق) فضوعف فيه كذلك (مثل كبكبته) بتضعيف الكاف (يعني كببته) بتخفيف الموحدة الأولى وسكون الثانية.
({فمرّت به}) [الأعراف: ١٨٩]. في قوله تعالى: {فلما تغشاها} أي جامع آدم حواء حملت حملاً خفيفًا فمرت به أي (استمر بها الحمل فأتمته) أي وضعته.
({أن لا تسجد}) [الأعراف: ١٢]. في قوله تعالى {ما منعك أن لا تسجد} أي (أن تسجد) فلا صلة مثلها في لئلا يعلم مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود، وقيل الممنوع عن الشيء مضطرًا إلى خلافه فكأنه قيل ما اضطرك إلى أن لا تسجد قاله في الأنوار.
(باب قول الله تعالى) وسقط لأبي ذر وفي روايته وأبي الوقت وقول الله تعالى: ({واذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}) [البقرة: ٣٠]. أي قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل كما قال تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض}
[الأنعام: ١٦٥]. وأن المراد آدم لأنه خلف الجن وجاء بعدهم أو لأنه خليفة الله في أرضه لإقامة حدوده وتنفيذ قضاياه ورجح القول الأول بأنه لو كان المراد آدم نفسه لما حسن قول الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء".
(قال ابن عباس) في قوله تعالى: ({لما}) بتشديد الميم ({عليها حافظ}) [الطارق: ٤] أي (إلا عليها حافظ) وهي قراءة عاصم وحمزة وابن عامر فلما بمعنى إلا الاستثنائية وهي لغة هذيل يقولون سألتك بالله لما فعلت بمعنى ألا فعلت، وهذا وصله ابن أبي حاتم وزاد عليها حافظ من الملائكة. وقال قتادة: هم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك وقيل هو الله رقيب عليها.
({في كبد}) [البلد: ٤].