للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطيبي: لعل المنع من التعذيب بها في الدنيا أن الله تعالى جعل النار فيها منافع وارتفاقهم، فلا يصح منهم أن يستعملوها في الإضرار، ولكن له تعالى أن يستعملها فيه لأنه ربها ومالكها يفعل ما يشاء من التعذيب بها والمنع منه، وإليه أشار بقوله في الحديث الآخر ربّ النار وقد جمع الله تعالى الاستعمالين في قوله تعالى: {نحن جعلناها تذكرة ومتاعًا للمقوين} [الواقعة: ٧٣]. أي تذكيرًا بنار جهنم لتكون حاضرة للناس يذكرون ما أوعدوا به وجعلنا بها أسباب المعاش كلها انتهى.

وقد اختلف السلف في التحريق فكرهه عمر وابن عباس وغيرهما مطلقًا سواء كان بسبب كفر أو قصاصًا، وأجازه عليّ وخالد بن الوليد وقال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع، وقد سمل عليه الصلاة والسلام أعين العرنيين بالحديد المحمى، وحرق أبو بكر- رضي الله عنه- اللائط بالنار بحضرة الصحابة، وتعقب بأنه لا حجة فيه للجواز فإن قصة العرنيين كانت قصاصًا أو منسوخة وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي غيره.

(فإن وجدتموهما) بالواو والجيم وفي باب التوديع فإن أخذتموهما (فاقتلوهما).

٣٠١٧ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ "أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ". [الحديث ٣٠١٧ - طرفه في: ٦٩٢٢].

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (أن عليًّا -رضي الله عنه- حرّق قومًا) هم السبئية أتباع عبد الله بن سبأ كانوا يزعمون أن عليًّا ربهم تعالى الله وتقدّس عن مقالتهم، وعند ابن أبي شيبة كانوا قومًا يعبدون الأصنام (فبلغ) ذلك (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (فقال: لو كنت أنا) بدله فالخبر محذوف وأتى بأنا تأكيدًا للضمير المتصل (لم أحرقهم لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):

(لا تعذبوا بعذاب الله) وهذا أصرح في النهي من السابق في الحديث الذي قبل (ولقتلتهم كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (من بدّل دينه) الحق وهو دين الإسلام (فاقتلوه). وفي حديث مروي في شرح السُّنّة فبلغ ذلك عليًّا فقال: صدق ابن عباس وإنما حرّقهم عليّ -رضي الله عنه- بالرأي والاجتهاد وكأنه لم يقف على النص في ذلك قبل، فجوّز ذلك للتشديد بالكفار والمبالغة في النكاية والنكال، وقوله: ولقتلتهم عطف على جواب لو وأتى باللام لإفادتها معنى التأكيد وخصها بالثاني دون الأول وهو الجواب لأن القتل أهم وأحرى من غيره ولورود النص أن النار لا يعذب بها إلا الله.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في استتابة المرتدين وأبو داود وابن ماجه في الحدود وكذا الترمذي والنسائي في المحاربة.

١٥٠ - باب {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] فِيهِ حَدِيثُ ثُمَامَةَ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} -حَتَّى يَغْلِبَ فِي الأَرْضِ- {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: ٦٧] الآيَةَ.

هذا (باب) بالتنوين يذكر في التخيير بين المن والفداء في الأسرى لقوله تعالى في سورة القتال: {فإما منًّا بعد وإما فداء} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ٤]. أي فإما تمنون منًّا أو تفدون فداء، والمراد

التخيير بعد الأسر بين المنّ والإطلاق وبين أخذ الفداء. وعن بعض السلف أنها منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: ٥] الآية. والأكثرون على أنها محكمة قال بعضهم: التخيير بين القسمين فلا يجوز قتله والأكثرون منهم وهو قول أكثر السلف على التخيير بين المنّ والمفاداة والقتل والاسترقاق (فيه) أي في الباب (حديث ثمامة) بضم المثلثة؛ وقد ذكره المؤلّف في مواضع ولفظه في وفد بني حنيفة من المغازي بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "ما عندك يا ثمامة"؟ فقال: عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت حتى كان الغد، ثم قال له: "ما عندك يا ثمامة"؟ قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد فقال: "ما عندك يا ثمامة"؟ فقال: عندي ما قلت لك. فقال: أطلقوا ثمامة؛ الحديث.

وهذا موضع الترجمة منه فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقره على ذلك ولم ينكر عليه التقسيم ثم منّ عليه بعد ذلك وهو يؤيد قول الجمهور أن الأمر في أسرى الكفار من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين، وعن مالك لا يجوز المن بغير الفداء، وعن

<<  <  ج: ص:  >  >>