للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعضهم فغلط راويها كما حكاه عياض. قال: وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفة حالة انحداره فيما مضى، وقوله: كأني أنظر إليه جواب أما والأصل فكأني فحذف الفاء وهو حجة على من قال من النحاة أنه لا يجوز حذفها، لكن قد يقال: إن حذفه وقع من الراوي، وقد جوّز ابن مالك حذفها في السعة وخصه بعضهم بالضرورة، وقد اعترض المهلب قوله موسى وقال: إنه وهم من بعض الرواة، وصوّب أنه عيسى لأنه حي، واستدلّ بقوله في الحديث الآخر ليهلن ابن مريم بفج الروحاء.

وأجيب: بأنه لا فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض وإنما ثبت أنه سينزل عند أشراط الساعة، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ: كأني أنظر إلى موسى من الثنية واضعًا إصبعيه في أذنيه مارًا بهذا الوادي وله جوار إلى الله تعالى بالتلبية قاله لما مرّ بوادي الأزرق، وقد زاد في باب: الجعد من كتاب اللباس ذكر إبراهيم ولفظه قال ابن عباس: لم أسمعه قال ذلك، ولكنه قال: أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلب كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي. أفيقال: أن الراوي غلط فزاد إبراهيم، وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس وفي أحاديث الأنبياء، ومسلم في الإيمان.

٣١ - باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ؟

أَهَلَّ: تَكَلَّمَ بِهِ، وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ: كُلُّهُ مِنَ الظُّهُورِ. وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ: خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ.

﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] وَهْوَ مِنِ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ.

هذا (باب) بالتنوين (كيف تهلّ) أي تحرم (الحائض والنفساء)؟ يقال: (أهلّ) الرجل بما في قلبه إذا (تكلم به. واستهللنا وأهللنا الهلال:) بالنصب على المفعولية أي طلبنا ظهوره، ولأبي ذر: الهلال بالرفع أي استهل الهلال على صيغة المعلوم أي تبين. قال المجد الشيرازي كالجوهري، ولا يقال أهل ويقال أهللنا عن ليلة كذا ولا يقال أهللنا فهل كما يقال أدخلناه فدخل وهو قياسه (كله) أي ما ذكر من هذه الألفاظ مأخوذ (من) معنى (الظهور. و) من الظهور أيضًا (استهل المطر:) أي (خرج من السحاب) ومنه أيضًا قوله تعالى: (﴿وما أهل لغير الله به﴾) [المائدة: ٣] أي نودي عليه بغير اسم الله وأصله رفع الصوت (وهو من استهلال الصبي) أي رفع صوته بِالصياح عند الولادة. قال

في الفتح: وهذا في رواية المستملي والكشميهني وليس مخالفًا لما سبق من أصل الاستهلال رفع الصوت لأن الصوت يقع بذكر الشيء عند ظهوره.

١٥٥٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ. قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا".

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة زوج النبي ، قالت: خرجنا مع النبي ) لخمس بقين من ذي القعدة (في حجة الوداع) سميت بذلك لأنه ودّع الناس فيها (فأهللنا بعمرة)، أدخلناها على الحج بعد أن أهللنا به في الابتداء كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، (ثم قال النبي ): لمن معه بعد إحرامهم بالحج ودنوّهم من مكة بسرف كما في رواية عائشة أو بعد طوافهم بالبيت فهم بالبيت كما في رواية جابر أو قاله مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة.

(من كان معه هدي) بإسكان الدال وتخفيف الياء وبكسر الدال وتشديد الياء والأولى أفصح وأشهر اسم لما يهدى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمن أراد الإحرام بحج أو عمرة (فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل) وفي اليونينية: بالنصب مصلح (حتى يحل منهما) أي من الحج والعمرة (جميعًا) وفيه دلالة على أن السبب في بقاء من ساق الهدي على إحرامه حتى يحل من الحج كونه أدخل الحج على العمرة لا مجرد سوق الهدي كما يقوله أبو حنيفة وأحمد وموافقوهما من أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، وقد تمسكوا بقوله في رواية عقيل عن الزهري في الصحيحين فقال رسول الله : "من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر

<<  <  ج: ص:  >  >>