هديه، ومن أهلّ بحج فليتم حجه" وهي ظاهرة في الدلالة لمذهبهم، لكن تأولها الشافعية على أن معناها ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه، واستدلوا لصحة هذا التأويل بهذه الرواية لأن القصة واحدة فتعين الجمع بين الروايتين.
قالت عائشة:(فقدمت مكة وأنا حائض) جملة اسمية وقعت حالاً وكان ابتداء حيضها بسرف يوم السبت لثلاث خلون من في الحجة (ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة)، عطف على المنفي قبله على تقدير ولم أسع وهو من باب علفتها تبنًا وماء باردًا، ويجوز أن يقدر ولم أطف بين الصفا والمروة على طريق المجاز لما في الحديث وطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، وإنما ذهب إلى التقدير دون الانسحاب لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة قاله في شرح المشكاة. (فشكوت ذلك) أي ترك الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة بسبب الحيض (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(انقضي رأسك) بالقاف المضمومة والضاد المعجمة المكسورة من النقض أي حلي ضفر شعر رأسك (وامتشطي) أي سرحيه بالمشط (وأهلي بالحج ودعي العمرة) أي عملها من الطواف والسعي وتقصير الشعر لا أنها تدع العمرة نفسها وحينئذٍ فتكون قارنة كذا تأوله الشافعي.
والحاصل أنها أحرمت بالحج ثم فسخته إلى العمرة حين أمر الناس بذلك، فلما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وإدراك الإحرام بالحج أمرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإحرام بالحج فأحرمت به فصارت مدخلة للحج على العمرة وقارنة، لكن استشكل الخطابي قوله لها انقضي رأسك وامتشطي لأنه ظاهر في إبطال العمرة لأن المحرم يفعل مثل ذلك لأنه يؤدّي إلى انتتاف الشعر.
وأجيب: بأنه لا يلزم من ذلك إبطال العمرة فإن نقض الرأس والامتشاط جائزان في الإحرام إذا لم يؤدّ إلى انتتاف الشعر لكن يكره الامتشاط لغير عذر أو إن ذلك كان بسبب أذى كان برأسها فأبيح كما أبيح لكعب بن عجرة في حلق رأسه للأذى، أو المراد بالامتشاط تسريح الشعر بالأصابع لغسل الإحرام بالحج، ولا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر ثم تضفره كما كان ويلزم منه نقضه، ويشهد لما أوله الشافعي رحمة الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: قد حللت من حجتك وعمرتك جميعًا، وقوله في الحديث الآخر: طوافك وسعيك كافيك لحجك وعمرتك فهو صريح في أنها كانت قارنة، لكن عند المؤلّف في باب: التمتع والقران من طريق الأسود عنها أنها قالت: يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحج وأرجع أنا بحجة. وزاد في رواية عطاء عنها عند أحمد ليس معها عمرة، وهذا يقوي قول الحنفية أنها تركت العمرة وحجت مفردة متمسكين بقوله لها: دعي عمرتك. واستدلوا به على أن المرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردة كما صنعت عائشة -رضي الله عنها-، لكن قال: في الفتح: إن في رواية عطاء عنها ضعفًا والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر أن عائشة أهلّت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهلي بالحج حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال: قد حللت من حجك وعمرتك. قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت. قال: فأعمرها من التنعيم. قالت عائشة -رضي الله عنها-: (ففعلت) بسكون اللام ما ذكر من النقض والامتشاط والإهلال بالحج وترك عمل العمرة وهذا موضع الترجمة.
(فلما قضينا الحج) أي وطهرت يوم النحر (أرسلني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصدّيق -رضي الله عنه- (إلى التنعيم) المشهور بمساجد عائشة (فاعتمرت. فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه) العمرة (مكان عمرتك) برفع مكان خبرًا لقوله هذه أو بالنصب، وهو الذي في اليونينية لا غير على الظرفية وعامله المحذوف هو الخبر أي كائنة أو مجعولة مكان عمرتك. قال القاضي عياض: والرفع أوجه عندي إذ لم يرد به الظرف إنما أراد عوض عمرتك، فمن قال كانت قارنة قال مكان عمرتك التي أردت