للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمعنى: لا أسألكم أجرًا قطّ ولكن أسألكم المودة وفي القربى حال منها أي إلا المودة ثابتة في ذوي القربى متمكّنة في أهلها أو في حق القرابة ومن أجلها قاله في الأنوار، فإن قلت: لا نزاع أنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الوحي. أجيب بأنه من باب قوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

يعني: أنا لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس أجرًا لأن حصول المودّة بين المسلمين أمر واجب وإذا كان كذلك فهو في حق أشرف الخلق أولى فقوله: {إلا المودة في القربى} تقديره والمودة في القربى ليست أجرًا فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر البتة.

٤٨١٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ طَاوُسًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {إِلَاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: ٢٣] فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَاّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: "إِلَاّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ".

وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الهلالي الكوفي أنه (قال سمعت طاوسًا) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن قوله) تعالى: ({إلا المودة في القربى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فحمل الآية على أمر المخاطبين بأن يوادّوا أقاربه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عام لجميع المكلفين (فقال ابن

عباس) لسعيد (عجلت) بفتح العين وكسر الجيم وسكون اللام أي أسرعت في تفسيرها (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال):

(إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة) فحمل الآية على أن توادّوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل القرابة التي بينه وبينكم فهو خاص بقريش ويؤيده أن السورة مكية، وأما حديث ابن عباس أيضًا عند ابن أبي حاتم قال: لما نزلت هذه الآية {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} [الشورى: ٢٣] قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودّتهم؟ قال: فاطمة وولدها عليهم السلام. فقال ابن كثير: إسناده ضعيف فيه متهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل، والآية مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية فإنها لم تتزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة وتفسير الآية بما فسر به حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس أحق وأولى، ولا تنكر الوصاة بأهل البيت واحترامهم وإكرامهم إذ هم من الذرية الطاهرة التي هي أشرف بيت وجد على الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسُّنّة الصحيحة كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه علي وآل بيته وذريته - رضي الله عنهم- أجمعين ونفعًا بمحبتهم.

[٤٣] سورة حم الزُّخْرُفِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ} عَلَى إِمَامٍ. {وَقِيلَهُ يَا رَبِّ} تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}: لَوْلَا أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا، لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ. وَهْيَ دَرَجٌ، وَسُرُرُ فِضَّةٍ. {مُقْرِنِينَ}: مُطِيقِينَ. {آسَفُونَا}: أَسْخَطُونَا. {يَعْشُ}: يَعْمَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ}: أَيْ تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟ {وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ}: سُنَّةُ الأَوَّلِينَ. {مُقْرِنِينَ}: يَعْنِي الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. {يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ}: الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا {فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ}. {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} يَعْنُونَ الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} الأَوْثَانُ، إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. {فِي عَقِبِهِ}: وَلَدِهِ. {مُقْتَرِنِينَ}: يَمْشُونَ مَعًا. {سَلَفًا}: قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. {وَمَثَلًا}: عِبْرَةً. {يَصِدُّونَ}: يَضِجُّونَ. {مُبْرِمُونَ}: مُجْمِعُونَ. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} الْعَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ الْبَرَاءُ وَالْخَلَاءُ، وَالْوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ وَالْجَمِيعُ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ بَرَاءٌ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَوْ قَالَ: {بَرِيءٌ} لَقِيلَ فِي الاِثْنَيْنِ بَرِيئَانِ وَفِي الْجَمِيعِ بَرِيئُونَ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّنِي بَرِيءٌ بِالْيَاءِ. وَالزُّخْرُفُ الذَّهَبُ. {مَلَائِكَةً يَخْلُفُونَ}: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}.

[٤٣] سورة حم الزُّخْرُفِ

مكية إلا قوله: {واسأل من أرسلنا} وآيها تسع وثمانون ولأبي ذر سورة حم الزخرف، وله ولابن عساكر بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت لغيرهما.

(وقال مجاهد) في قوله: ({على أمة})، من قوله: {إنّا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: ٢٢] أي (على إمام) كذا فسره أبو عبيدة عند عبد بن حميد عن مجاهد على ملة وعن ابن عباس عند الطبري على دين.

({وقيله يا رب}) [الزخرف: ٨٨] (تفسير: أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيلهم) وهذا يقتضي الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجمل كثيرة.

قال الزركشي: فينبغي حمل كلامه على أنه أراد تفسير المعنى ويكون التقدير ويعلم قيله وهذا يرده ما حكاه السفاقسي من إنكار بعضهم لهذا وقال إنما يصح ذلك أن لو كانت التلاوة وقيلهم. اهـ.

وقيل: عطف على مفعول يكتبون المحذوف أي يكتبون ذلك ويكتبون قيله كذا أو على مفعول يعلمون المحذوف أي يعلمون ذلك ويعلمون قيله أو أنه مصدر أي قال قيله أو بإضمار ْفعل أي الله يعلم قيل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاكيًا إلى ربه يا رب، وقرأ عاصم وحمزة بخفض اللام وكسر الهاء وصلتها بياء عطفًا على الساعة أي عنده علم قيله والقول والقال

<<  <  ج: ص:  >  >>