للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفجر والشمس إنما يدركان بالعين لا بالقلب. ويأتي تمام البحث في ذلك في ذكر تهجده عليه الصلاة والسلام.

فإن قلت: ما المناسبة بين هذا الحديث والترجمة؟ أجيب: باحتمال أن يطلق السمر على الكلمة وهي هنا قوله عليه الصلاة والسلام: "نام الغليم" أو هو ارتقاب ابن عباس لأحواله عليه الصلاة والسلام، لأنه لا فرق بين التعلم من القول والتعلم من الفعل. وتعقب بأن المتكلم بالكلمة الواحدة لا يسمى سامرًا، وبأن صنيع ابن عباس يسمى سهرًا لا سمرًا لأن السمر لا يكون إلا عن تحدّث.

وأجيب: بأن حقيقة السمر التحدّث بالليل ويصدق بكلمة واحدة ولم يشترط أحد التعدّد، وكما يطلق السمر على القول يطلق على الفعل بدليل قولهم: سمر القوم الخمر إذا شربوها ليلاً. وأجاب الحافظ ابن حجر: بأن المناسبة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى في التفسير عند المؤلف بلفظ: بتّ في بيت ميمونة، فتحدّث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أهله ساعة قال: وهذا أولى من غير تعسّف ولا رجم بالظن، لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن.

وتعقبه العيني بأن من يعقد بابًا بترجمة ويضع فيه حديثًا، وكان قد وضع هذا الحديث في باب آخر بطريق أخرى وألفاظ متغايرة هل يقال مناسبة الترجمة في هذا الباب تستفاد من ذلك الحديث الموضوع في الباب الآخر. قال: وأبعد من هذا أنه علّل ما قاله بقوله لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن، لأن هؤلاء ما فسروا الحديث هنا بل ذكروا مطابقة الترجمة بالتقارب.

٤٢ - باب حِفْظِ الْعِلْمِ

هذا (باب حفظ العلم) وسقط لفظ باب للأصيلي.

١١٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا. ثُمَّ يَتْلُو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ -إِلَى قَوْلِهِ تعالى- الرَّحِيمُ}. إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وِإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ. [الحديث ١١٨ - أطرافه في: ١١٩، ٢٠٤٧، ٢٣٥٠، ٣٦٤٨، ٧٣٥٤].

وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) أي الأويسي المدني (قال: حدّثني) بالتوحيد (مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال):

(إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة) أي الحديث كما في البيوع وهو حكاية كلام الناس وإلاّ لقال أكثرت. زاد المصنف في رواية في الزراعة ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه، (ولولا آيتان) موجودتان (في كتاب الله) تعالى (ما) أي لما (حدّثت حديثًا). قال الأعرج (ثم يتلو) أبو هريرة: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله تعالى: ({الرَّحِيمِ})

[البقرة: ١٥٩] وعبّر بالمضارع في قوله: ويتلو استحضارًا لصورة التلاوة، والمعنى لولا أن الله تعالى ذم الكاتمين للعلم لما حدّثتكم أصلاً، لكن لما كان الكتمان حرامًا وجب الإظهار، فلذلك حصلت الكثرة عنده، ثم ذكر سبب الكثرة بقوله: (إن إخواننا) جمع أخ ولم يقل إخوانه ليعود الضمير على أبي هريرة لغرض الالتفات وعدل عن الإفراد إلى الجمع لقصد نفسه وأمثاله من أهل الصفة وحذف العاطف على جعله جملة استئنافية كالتعليل للإكثار جوابًا للسؤال عنه، والمراد أخوّة الإسلام (من المهاجرين) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة (كان يشغلهم) بفتح أوّله وثالثه من الثلاثي، وحكي ضم أوّله من الرباعي وهو شاذ (الصفق بالأسواق) بفتح الصاد وإسكان الفاء كناية عن التبايع لأنهم

كانوا يضربون فيه يدًا بيد عند المعاقدة وسميت السوق لقيام الناس فيها على سوقهم، (وإن إخواننا من الأنصار) الأوس والخزرج (كان يشغلهم العمل في أموالهم) أي القيام على مصالح زرعهم (وإن أبا هريرة) عدل عن قوله: وإني لقصد الالتفات (كان يلزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشبع بطنه) كذا للأصيلي بموحدة في أوّله، وفي رواية الأربعة باللام وكلاهما للتعليل أي لأجل شبع بطنه وهو بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة. وعن ابن دريد إسكانها وعن غيره الإسكان اسم لما أشبعك من الشيء، وفي رواية ابن عساكر في نسخة ليشبع بطنه بلام كي ويشبع بصورة المضارع المنصوب، والمعنى أنه كان يلازم قانعًا بالقوت لا يتجر ولا يزرع، (ويحضر ما لا يحضرون) من أحوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه يشاهد ما لا يشاهدون، (ويحفظ ما لا يحفظون) من أقواله لأنه يسمع ما لا يسمعون.

١١٩ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ. قَالَ: ابْسُطْ رِدَاءَكَ. فَبَسَطْتُهُ. قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمُّهُ، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ».

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا. أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ.

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي بكر) زاد في رواية عن أبي ذر وابن عساكر والأصيلي

<<  <  ج: ص:  >  >>