للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشافعية: ولا تقبل شهادة أعمى يقول كعقد وفسخ وإقرار لجواز اشتباه الأصوات، وقد يحكي الإنسان صوت غيره فيشتبه به إلا أن يقر شخص في أذنه بنحو طلاق أو عتق أو مال لرجل معروف الاسم والنسب فيمسكه حتى يشهد عليه عند قاض أو يكون عماه بعد تحمله والمشهود له والمشهود عليه معروفي الاسم والنسب فيقبل لحصول العلم بأنه المشهود عليه.

٧١٦٢ - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قَالُوا: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَاّ

مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال: لما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتب إلى) أهل (الروم) في سنة ست (قالوا: إنهم) أي قال الصحابة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن الروم (لا يقرؤون كتابًا مختومًا) ولم أعرف القائل بعينه (فاتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا) بفتح التاء وكسرها (من فضة كأني أنظر إلى وبيصه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة إلى لمعانه وبريقه (ونقشه محمد رسول الله). ويستفاد منه أن الكتاب إذا لم يكن مختومًا فالحجة بما فيه قائمة لكونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يكتب إليهم وإنما اتخذ الخاتم لقولهم إنهم لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختومًا، فدل على أن كتاب القاضي حجة مختومًا كان أو غير مختوم، وفي الباب العمل بالشهادة على الخط وقد أجازها مالك وخالفه ابن وهب فيه، وقال الطحاوي: خالف مالكًا جميع الفقهاء في ذلك لأن الخط قد يشبه الخط، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط لأن الناس قد أحدثوا ضروبًا من الفجور، وقد قال مالك: تحدث للناس أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور، وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي ثم رأى مالك أن ذلك لا يجوز.

١٦ - باب مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ؟

وَقَالَ الْحَسَنُ: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لَا يَتَّبِعُوا الْهَوَى وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً ثُمَّ قَرَأَ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: ٢٦] وَقَرَأَ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا - اسْتُودِعُوا - مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] بٍِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ.

وَقَرَأَ {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩] فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ وَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْقُضَاةَ هَلَكُوا فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ.

وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ: قَالَ: لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ الْقَاضِى مِنْهُنَّ خَصْلَةً كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ أَنْ يَكُونَ فَهِمًا حَلِيمًا عَفِيفًا صَلِيبًا عَالِمًا سَؤُولاً عَنِ الْعِلْمِ.

هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (متى يستوجب الرجل القضاء)؟ أي متى يستحق أن يكون قاضيًا. وقال في الكواكب أي متى يكون أهلاً للقضاء اهـ.

وقد اشترط الشافعية كونه أهلاً للشهادات بأن يكون مسلمًا مكلفًا حرًّا ذكرًا عدلاً سميعًا بصيرًا ناطقًا كافيًا لأمر القضاء فلا يولاه كافر وصبي ومجنون ومن به رقّ وأنثى وخنثى وفاسق ومن لم يسمع وأعمى وأخرس وإن فهمت إشارته ومغفل ومختل النظر بكبر أو مرض لنقصهم، وأن يكون مجتهدًا وهو العارف بأحكام القرآن والسُّنَّة وبالقياس وأنواعها، فمن أنواع القرآن والسُّنَّة: العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ.

ومن أنواع السُّنَّة المتواتر والآحاد والمتصل وغيره.

ومن أنواع، القياس الأولى والمساوي والأدون كقياس الضرب للوالدين على التأفيف لهما، وقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم فيهما، وقياس التفاح على البر في الربا بجامع الطعم، وحال الرواة قوّة وضعفًا فيقدم عند التعارض الخاص على العام والمقيد على المطلق والنص على الظاهر، والمحكم على المتشابه، والناسخ والمتصل والقوي على مقابلها، ولسان العرب لغةً ونحوًا وصرفًا، وأقوال العلماء إجماعًا واختلافًا فلا يخالفهم في اجتهادهم فإن فقد الشرط المذكور بأن لم يوجد رجل متصف به فولى سلطان ذو شوكة مسلمًا غير أهل كفاسق ومقلد وصبي وامرأة نفذ قضاؤه للضرورة لئلا تتعطل مصالح الناس والقضاء بالمد مصدر قضى يقضي لأن لام الفعل ياء إذ أصله قضي بفتح الياء فقلبت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ومصدره بالتحريك كطلب طلبًا فتحركت الياء فيه أيضًا وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا فاجتمع ألفان فأبدلت الثانية همزة فصار قضاءً ممدودًا، وجمع القضاء أقضية كغطاء وأغطية وهو في الأصل إحكام الشيء وإمضاؤه والفراغ منه ويكون أيضًا بمعنى الأمر قال تعالى: {وقضى ربك ألَاّ تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: ٢٣] وبمعنى العلم تقول قضيت لك بكذا أعلمتك به والإتمام قال تعالى: {فإذا قضيتم الصلاة} [النساء: ١٠٣] والفعل فاقض ما أنت قاض والإرادة قال تعالى: {فإذا قضى أمرًا} [غافر: ٦٨] والموت. قال

<<  <  ج: ص:  >  >>