(عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه (قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن) أي متعمدًا هل تقبل التوبة منه؟ (فرحلت فيه) بالراء والحاء المهملتين (إلى ابن عباس) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فدخلت بالدال والخاء المعجمة أي بعد أن رحلت إلى ابن عباس فسألته عن ذلك (فقال: نزلت في آخر ما نزل) أي هذه الآية: ({ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} [النساء: ٩٣] (ولم ينسخها شيء).
وهذا الحديث قد سبق في سورة النساء.
٤٧٦٤ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قَالَ: لَا تَوْبَةَ لَهُ. وَعَنْ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر ولأبي ذر عن منصور (عن سعيد بن جبير سألت) ولأبي ذر: قال سألت (ابن عباس -رضي الله عنهما- عن قوله تعالى: {فجزاؤه جهنم}) في الرواية الآتية عن قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها} (قال: لا توبة له) حملوه على التغليظ كما مرّ.
وحديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم أتى على تمام المائة إلى راهب فقال: لا توبة لك فقتله فأكمل به مائة ثم جاء آخر فقال له: ومن يحول بينك وبين التوبة المشهور قد يحتج به لقبولها لأنه إذا ثبت ذلك لمن قبل هذه الأمة فمثله لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم (وعن قوله جل ذكره: {لا يدعون مع الله إلهًا آخر}) قال: (كانت هذه) الآية (في الجاهلية) مشركي أهل مكة.
٣ - باب قَوْلِهِ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: ٦٩]
قوله: ({يضاعف}) ولأبي ذر باب بالتنوين قوله يضاعف ({له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا}) [الفرقان: ٦٩] نصب على الحال وهو اسم مفعول من أهانه يهينه أي أذله وأذاقه
الهوان ويضاعف ويخلد بالجزم فيهما بدلًا من يلق بدل اشتمال كقوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبًا جزلًا ونارًا تأججا
فأبدل من الشرط كما أبدل هنا من الجزاء وقرأ بالرفع ابن عامر وشعبة على الاستئناف كأنه جواب ما الآثام ويخلد عطفًا عليه.
٤٧٦٥ - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبْزَى سُئِلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] وَقَوْلِهِ: {لَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ} -حَتَّى بَلَغَ- {إِلَاّ مَنْ تَابَ} [الفرقان: ٦٨] فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٧٠].
وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي من ولد طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال ابن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي مقصورًا اسمه عبد الرحمن من صغار الصحابة (سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول (ابن عباس) رفع نائب عن الفاعل وللأصيلي سأل ابن عباس فعلًا ماضيًا كذا في الفرع كأصله وقال الحافظ ابن حجر: سل بصيغة الأمر وللأصيلي وعزا الأولى لأبي ذر والنسفيّ وقال: إن مقتضاها أنه من رواية سعيد بن جبير عن ابن أبزى عن ابن عباس وأن المعتمد رواية الأصيلي بصيغة الأمر وأنه يدل عليه قوله بعد سياق الآيتين فسألته فإنه واضح في جواب قوله سل (عن قوله تعالى) في سورة النساء ({ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم}) زاد الأصيلي خالدًا فيها (وقوله: {ولا يقتلون}) ولأبي ذر والأصيلي {والذين لا يقتلون} ({النفس التي حرم الله إلا بالحق} -حتى بلغ- {إلا من تاب وآمن}) فسألته فقال: لما نزلت (قال): ولأبي الوقت فقال (أهل مكة فقد عدلنا بالله) بإسكان اللام أي أشركنا به وجعلنا له مثلًا (وقتلنا) ولأبي ذر وقد قتلنا (النفس التي حرم الله إلا بالحق) سقط لأبي ذر إلا بالحق (وآتينا الفواحش فأنزل الله {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا} -إلى قوله- {غفورًا رحيمًا}) فيه قبول توبة القاتل.
٤ - باب: {إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٧٠]
هذا (باب) بالتنوين في قوله: ({إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا}) الاستثناء متصل أو منقطع، ورجحه أبو حيان بأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب فيصير التقدير إلا من تاب فلا يضاعف له العذاب ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف،
فالأولى عندي أن يكون استثناء منقطعًا أي لكن من تاب وآمن وإذا كان كذلك فلا يلقى عذابًا البتة، وتعقبه تلميذه السمين فقال: الظاهر قول الجمهور أنه متصل، وأما ما قاله فلا يلزم إذ المقصود الإخبار بأن من فعل كذا فإنه يحل به ما ذكر إلا أن يتوب، وأما إصابة أصل العذاب وعدمها فلا تعرض له