(يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله ﷺ حين ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه (عليه الوحي) رفع مفعول ناب عن الفاعل ولأبي ذر بفتح أوله وكسر ثالثه (فلما كان النبي ﷺ بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين المهملة وقد تكسر وتشدد الراء موضع قريب من مكة أحد مواقيت الإحرام (وعليه ثوب قد أظلّ عليه) بفتح الهمزة والظاء المعجمة (ومعه ناس) ولأبي ذر عن الحموي ومعه الناس (من أصحابه إذ جاءه رجل). قال في المقدمة حكى ابن فتحون في الذيل أن اسمه عطاء بن منبه وعزاه لتفسير الطرسوسي وفيه نظر، وقال: إن صح فهو أخو يعلى بن منبه، وفي الشفاء للقاضي عياض ما يُشعِر أن اسمه عمرو بن سواد والصواب أنه
يعلى بن أمية راوي الحديث كما أخرجه الطحاوي من حديث شعبة عن قتادة عن عطاء أن رجلًا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة (متضمخ) بالضاد والخاء المعجمتين متلطخ (بطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم) أي بعمرة كما في الحج (في جبة بعد ما تضمخ) تلطخ (بطيب؟ فنظر النبي ﷺ ساعة فجاء له الوحي فأشار عمر إلى يعلى أن) ولأبي ذر عن الحموي أي (تعال فجاه يعلى فأدخل رأسه) ليرى النبي ﷺ حال نزول الوحي (فإذا هو) ﵊ (محمرّ الوجه يغط) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة يتردد صوت نفسه من شدة ثقل الوحي (كذلك ساعة ثم سرّي) بضم السن المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف (عنه) ما كان يجده من شدة الثقل الوحي (فقال):
(أين الذي يسألني عن العُمرة آنفًا فالتمس الرجل) بضم التاء مبنيًا للمفعول (فجيء به إلى النبي ﷺ فقال) له: (أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات) هل قوله ثلاث مرات من جملة مقوله ﵊ فيكون نصًّا في تكرار الغسل ثلاثًا أو العامل فيه قال: أي قال له ﵊ ثلاث مرات اغسله فلا يكون نصًّا على التثليث.
وسبق مزيد لذلك في الحج.
(وأما الجبة فانزعها) عنك (ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك) من الطواف والسعي والحلق والاحتراز عن محظورات الإحرام.
وهذا الحديث صورته صورة المرسل لأن صفوان بن يعلى ما حضر ذلك وقد ساقه في كتاب العمرة من الحج بالإسناد المذكور هنا عن أبي نعيم فقال فيه عن صفوان بن يعلى عن أبيه فوضح أنه ساقه هنا على لفظ رواية ابن جريج.
قيل: وجه دخول هذا الحديث هنا التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسُّنَّة على صفة واحدة ولسان واحد.
٣ - باب جَمْعِ الْقُرْآنِ
(باب جمع القرآن) في الصحف ثم جمع تلك الصحف في المصحف بعد النبي ﷺ وإنما ترك النبي ﷺ جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يرد على بعضه فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعضه لأدى إلى الاختلاف والاختلاط فحفظه الله تعالى في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ فكان التأليف في الزمن النبوي والجمع في الصحف في زمن الصديق والنسخ في المصاحف في زمن عثمان وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده ﷺ لكنه غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
٤٩٨٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ﵁ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِى فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ﵁.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أنه قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد بن السباق) بضم العين من غير إضافة لشيء والسباق بفتح السين المهملة وتشديد الموحدة المدني التابعي (أن زيد بن ثابت ﵁ قال: أرسل إليّ) بتشديد الياء (أبو بكر) الصديق ﵁ (مقتل) أي عقب مقتل (أهل اليمامة) أي من قتل بها من الصحابة في وقعة مسيلمة الكذاب لما ادّعى النبوّة وقوي أمره بعد وفاته ﵊ بارتداد كثير من العرب فخذله الله وقتله بالجيش الذي جهزه أبو بكر ﵁ وقتل بسبب ذلك من الصحابة قيل سبعمائة أو أكثر (فإذا عمر بن الخطاب) ﵁ (عنده قال أبو بكر ﵁: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد