للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله تعالى عليه بالغنى ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.

وهو لغة الإمساك ومنه قوله تعالى حكاية عن مريم عليها السلام: {إني نذرت للرحمن صومًا} [مريم: ٢٦] أي إمساكًا وسكوتًا عن الكلام وقول النابغة:

خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

وشرعًا إمساك عن المفطر على وجه مخصوص. وقال الطيبي: إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والاستمناء والاستقاء فهو وصف سلبيّ وإطلاق العمل عليه تجوّز.

١ - باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣]

(باب وجوب صوم) شهر (رمضان) وكان في شعبان من السنة الثانية من الهجرة ورمضان مصدر رمض إذا احترق لا ينصرف للعلمية والألف والنون، وإنما سموه بذلك إما لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش أو لارتماض الذنوب فيه، أو لوقوعه أيام رمض الحر حيث نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر أو من رمض الصائم اشتد حر جوفه أو لأنه يحرق الذنوب. ورمضان إن صح أنه من أسماء الله تعالى فغير مشتق أو راجع إلى معنى الغافر أي يمحو الذنوب ويمحقها.

وقد روى أبو أحمد بن عدي الجرجاني من حديث نجيح أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى" وفيه أبو معشر ضعيف لكن قالوا يكتب حديثه.

(وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على سابقه ({يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}) يعني الأنبياء والأمم من لدن آدم وفيه توكيد للحكم وترغيب للفعل وتطييب للنفس ({لعلكلم تتقون}) [البقرة: ١٨٣] المعاصي فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها كما قال عليه الصلاة والسلام فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء، وهل صيام رمضان من خصائص هذه الأمة أم لا؟ إن قلنا إن التشبيه الذي يدل عليه كاف كما في قوله: ({كما كتب على الذين من قبلكم}) على حقيقته فيكون رمضان كتب على من قبلنا. وذكر ابن أبي حاتم عن ابن عمر -رضي الله عنه- مرفوعًا صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم وفي إسناده مجهول، وإن قلنا: المراد مطلق الصوم دون قدره ووقته فيكون التشبيه واقعًا على مطلق الصوم وهو قول الجمهور.

١٨٩١ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: "أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَاّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَاّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَائِعَ الإِسْلَامِ. قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ. أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ".

وبالسند قال: (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (عن أبي سهيل) بضم السين وفتح الهاء مصغرًا نافع (عن أبيه) مالك بن أبي عامر أبي أنس الأصبحي المدني جدّ مالك الإمام (عن طلحة بن عبيد الله) أحد العشرة المبشرة بالجنة.

(أن أعرابيًّا) تقدم في الإيمان أنه ضمام بن ثعلبة (جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): حال كونه (ثائر الرأس) بالمثلثة أي منتفش شعر الرأس (فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟) بالإفراد (فقال): رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو (الصلوات الخمس) في اليوم والليلة ولأبي ذر: الصلوات الخمس بالنصب بتقدير فرض زاد في الإيمان فقال هل عليّ غيرها؟ فقال: لا. (إلا أن تطوّع شيئًا؟) بتشديد الطاء وقد تخفف وهل الاستثناء منقطع أو متصل، فعلى الأول يكون المعنى لكن التطوّع مستحب لك وحينئذ لا تلزم النوافل بالشروع فيها، وقد روى النسائي وغيره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أحيانًا ينوي صوم التطوّع ثم يفطر فدلّ على أن الشروع في النفل لا يستلزم الإتمام فهذا نص في الصوم وبالقياس في الباقي، وقال الحنفية: متصل واستدلوا به على أن الشروع في التطوّع يلزم إتمامه لأنه نفى وجوب شيء آخر إلا تطوّع به والاستثناء من النفي إثبات والمنفي وجوب شيء آخر فيكون

المثبت بالاستثناء وجوب ما تطوّع به وهو المطلوب، وهذا مغالطة لأن هذا الاستثناء من وادي قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} [النساء: ٢٢] وقوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} [الدخان: ٥٦] أي لا يجب عليك شيء قط إلا أن تطوّع، وقد علم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>