للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة.

(أن هذا البلد حرمه الله)، زاد المؤلّف في باب: غزوة الفتح يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة يعني: أن تحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة ليس مما أحدثه أو اختص بشرعه، وهذا لا ينافي قوله في حديث جابر عند مسلم: أن إبراهيم حرمها لأن إسناد التحريم إليه من حيث أنه مبلغه، فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء يبلغونها، فكما تضاف إلى الله تعالى من حيث أنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتبين على ألسنتهم، والحاصل أنه أظهر تحريمها بعد أن كان مهجورًا إلا أنه ابتدأه أو حرمها بإذن الله يعني أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى.

(لا يعضد) بضم أوّله وفتح الضاد المعجمة أي يقطع (شوكه ولا ينفر صيده)، لا يزعج من مكانه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا. لكن إن تلف في نفاره قبل السكون ضمن دمه بالتنفير على الإتلاف ونحوه لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى. (ولا يلتقط لقطته) بفتح القاف في اليونينية وبسكونها في غيرها. قال الأزهري: والمحدثون لا يعرفون غير الفتح، ونقل الطيبي عن صاحب شرح السنة أنه قال: اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها. وقال الخليل: هو بالسكون وأما بالفتح فهو الكثير الالتقاط. قال الأزهري: وهو القياس. وقال ابن بري في حواشي الصحاح: وهذا هو الصواب لأن الفعلة للفاعل كالضحكة للكثير الضحك. وفي القاموس: واللقط محركة أي بغير هاء وكحزمة وهمزة وثمامة التقط اهـ.

وهي هنا نصب مفعول مقدم والفاعل قوله: (إلا من عرفها) أي أشهرها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها أي عرفها ليعرف مالكها فيردّها إليه، وهذا بخلاف غير الحرم فإنه يجوز تملكها بشرطه،

وقال الحنفية والمالكية: حكمها واحد في سائر البلاد لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة من غير فصل. لنا: أن قوله ولا يلتقط لقطته ورد مورد بيان الفضائل المختصة بمكة كتحريم صيدها وقطع شجرها، وإذا سوّى بين لقطة الحرم وبين لقطة غيره من البلاد بقي ذكر اللقطة في هذا الحديث خاليًا عن الفائدة.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والجزية والجهاد، ومسلم وأبو داود في الحج والجهاد، والترمذي في السير، والنسائي في الحج.

[٤٤ - باب]

تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا. وَأَنَّ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥]. الْبَادِي: الطَّارِئ. مَعْكُوفًا: مَحْبُوسًا.

(باب) حكم (توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في مسجد الحرام) بالتنكير في الأول، ولأبي ذر: في المسجد الحرام بالتعريف فيهما (سواء خاصة)، قيد للمسجد الحرام أي المساواة إنما هي في نفس المسجد لا في سائر المواضع من مكة (لقوله تعالى) تعليل لقوله وإن الناس في المسجد الحرام سواء: ({إن الذين كفروا}) أي أهل مكة ({ويصدون}) يصرفون الناس ({عن سبيل الله}) عن دين الإسلام. قال البيضاوي كالزمخشري: لا يريد به حالاً ولا استقبالاً، وإنما يريد استمرار الصدّ منهم، ولذلك حسن عطفه على الماضي، وقيل هو حال من فاعل كفروا ({والمسجد الحرام) عطف على اسم الله يعني وعن المسجد الحرام، والآية مدنية وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما خرج مع أصحابه عام الحديبية منعهم المشركون عن المسجد الحرام ({الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد}) [الحج: ٢٥] سواء رفع على أنه خبر مقدم، والعاكف والباد: مبتدأ مؤخر وإنما وحد الخبر وإن كان المبتدأ اثنين لأن سواء في الأصل مصدر وصف به. وقرأ حفص سواء بالنصب على أنه مفعول ثان لجعل إن جعلناه يتعدى لمفعولين، وإن قلنا يتعدى لواحد كان حالاً من هاء جعلناه، وعلى التقديرين فالعاكف مرفوع على الفاعلية لأنه مصدر وصف به فهو في قوّة اسم الفاعل المشتق تقديره جعلناه مستويًا فيه العاكف والبادي، والمراد بالمسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة. وأوّله أبو حنيفة بمكة واستدلّ بقوله الذي جعلناه للناس سواء على عدم جواز بيع دورها وإجمارتها، وهو مع ضعفه معارض

<<  <  ج: ص:  >  >>