للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فانكسرت. وأجيب: بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت من الساق أو المراد من كل منهما مجرد اختلال الرجل (ثم أتيت أصحابي أحجل) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وضم الجيم بعدها لام أمشي مشي المقيد فحجل البعير على ثلاثة والغلام على واحدة (فقلت) لهم: (انطلقوا فبشروا رسول الله ) بقتله (فإني لا أبرح حتى) إلى أن (أسمع الناعية) تخبر بموته (فلما كان في وجه الصبح) مستقبله (صعد الناعية فقال: أنعي) بفتح العين (أبا رافع) وقال الأصمعي: إن العرب إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسًا وسار فقال: نعي فلان (قال: فقمت أمشي ما بي قلبة) بفتح القاف واللام أي تقلب واضطراب من جهة علة الرجل (فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي فبشرته) بقتل أبي رافع.

واستشكل قوله فقمت أمشي ما بي قلبة مع قوله السابق فمسحها فكأنها لم أشكها. وأجيب:

بأنه لا يلزم من عدم التقلب عوده إلى حالته الأولى وعدم بقاء الأثر فيها، ولعله اشتغل عن شدة الألم والاهتمام به وبما وقع له من الفرح فأعين على المشي ثم لما أتى النبي ومسح عليه زال عنه جميع الآلام.

١٧ - باب غَزْوَةِ أُحُدٍ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٢١] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٩ - ١٤٣] وَقَوْلِهِ ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢] تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلَا ﴿بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] وقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾ [آل عمران: ١٦٩] الآيَةَ.

(باب غزوة أُحُد) بضم أوله وثانيه معًا وكانت عنده الوقعة العظيمة في شوال سنة ثلاث، وسقط لأبي ذر لفظ باب فالتالي مرفوع (وقول الله تعالى) جر أو رفع (﴿وإذ غدوت من أهلك﴾) واذكر يا محمد إذ خرجت غدوة من أهلك بالمدينة والمراد غدوّة من حجرة عائشة إلى أحد (﴿تُبوِّئ المؤمنين﴾) تنزلهم وهو حال (﴿مقاعد للقتال﴾) مواطن ومواقف من الميمنة والميسرة والقلب والجناحين للقتال يتعلق بتبؤئ (﴿والله سميع﴾) لأقوالكم (﴿عليم﴾) [آل عمران: ١٢١]. بنياتكم وضمائركم (وقوله جل ذكره: (﴿ولا تهنوا﴾) ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم من الهزيمة (﴿ولا تحزنوا﴾) على ما فاتكم من الغنيمة أو على من قتل منكم أو جرح وهو تسلية من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين عما أصابهم يوم أُحُد وتقوية لقلوبهم (﴿وأنتم الأعلون﴾) وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أُحُد وأنتم الأعلون بالنصر والظفر في العاقبة وهي بشارة بالعلو والغلبة وأن جندنا لهم الغالبون (﴿إن كنتم مؤمنين﴾) جوابه محذوف فقيل تقديره: فلا تهنوا ولا تحزنوا، وقيل تقديره: إن كنتم مؤمنين علمتم أن هذه الوقعة لا تبقى على حالها وأن الدولة تصير للمؤمنين (﴿إن يمسسكم قرح﴾) بفتح القاف، والأخوان وأبو بكر بضمها بمعنى فقيل الجرح نفسه، وقيل المصدر أو المفتوح الجرح والمضموم ألمه (﴿فقد مسّ القوم قرح مثله﴾) للنحويين في مثل هذا تأويل وهو أن يقدروا شيئًا، مستقبلاً لأنه لا يكون التعليق إلا في المستقبل وقوله: فقد مس القوم قرح مثله ماض محقق وذلك

التأويل هو التبيين أي: فقد تبين مس القرح للقوم، وهذا خطاب للمسلمين حين انصرفوا من أُحُد مع الكآبة يقول: إن يمسسكم ما نالوا منكم يوم أُحُد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يمنعهم عن معاودتكم إلى القتال فأنتم أولى أن لا تضعفوا (﴿وتلك﴾) مبتدأ (﴿الأيام﴾) صفته والخبر (﴿نداولها﴾) نصرفها أو الأيام خبر لتلك ونداولها جملة حالية العامل فيها معنى اسم الإشارة أي أشير حال كونها مداولة (﴿بين الناس﴾) أي أن مسارّ الأيام لا تدوم وكذلك مضارّها فيوم يكون السرور لإنسان والغم لعدوّه ويوم آخر بالعكس، وليس المراد من هذه المداولة أن الله تارة ينصر المؤمنين وآخر ينصر الكافرين لأن نصر الله تعالى منصب شريف لا يليق بالكافر، بل المراد أنه تارة يشدد المحنة على الكافر وتارة على المؤمن فعلى المؤمن أدبًا في الدنيا وعلى الكافر غضبًا عليه (﴿وليعلم الله الذين آمنوا﴾) أي نداولها لضروب من التدبير وليعلم الله المؤمنين مميزين بالصبر والإيمان من غيرهم كما علمهم قبل الوجود (﴿ويتخذ منكم شهداء﴾) وليكرم ناسًا منكم بالشهادة يريد المستشهدين يوم أُحُد وسموا به لأنهم أحياء وحضرت أرواحهم

<<  <  ج: ص:  >  >>