هشام بن عروة، وأورد البخاري الوجهين مشيرًا إلى أن رواية الإرسال لا تقدح في رواية الوصل، لأن الذي وصله حافظ وهو ابن عيينة، وقد تابعه ثقتان يعني عمرًا وحاتمًا المذكورين، ثم أورد المؤلّف طريقًا آخر من مراسيل عروة فقال بالسند السابق أوّل هذا الكتاب إليه.
١٥٨١ - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ "دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ أَقْرَبِهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَدَاءٌ وَكُدًا مَوْضِعَانِ.
(حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة أنه قال:
(دخل النبي ﷺ) مكة (عام الفتح من كداء) بالفتح والد منوّنًا، (وكان عروة يدخل منهما) أي من كداء بالفتح وكدى بالضم (كليهما) بكاف مكسورة ولام مفتوحة فمثناة تحتية، وللأصيلي: كلاهما بالألف على لغة من أعربه بالحركات المقدّرة في الأحوال الثلاث (وأكثر) بالرفع، ولأبي ذر: وكان بالنصب خبر كان الزائدة عنده (ما يدخل) وفي بعض النسخ و: أكثر ما كان يدخل (من كداء) بالفتح والمدّ والتنوين، ولأبي ذر: كدى بالضم والقصر من غير تنوين. قال الحافظ ابن حجر: إنها كذلك للجميع "أقربهما إلى منزله" بجرّ أقرب بيان أو بدل من كداء، والأرجح أن دخوله ﷺ من أعلى مكة وخروجه من أسفلها كان قصدًا ليتأسى به فيه فيكون سنّة لكل داخل، وحينئذٍ فالآتي من غير طريق المدينة يؤمر بالتعريج ليدخل منها وهذا ما صححه النووي في الروضة والمجموع لما قاله
الشيخ أبو محمد الجويني: أنه ﷺ عرّج إليه قصدًا. وحكى الرافعي عن الأصحاب تخصيصه بالآتي من طريق المدينة للمشقة، وأن دخوله ﷺ منها كان اتفاقًا.
(قال أبو عبد الله): البخاري (كداء وكدى) بالفتح والمدّ والتنوين في الأوّل، والضم والقصر والتنوين في الثاني، وفي نسخة: بركته (موضعان) كذا ثبت هذا القول للمستملي، وسقط لغيره وهو أولى لأنه ليس في سياقه كبير فائدة كما لا يخفى.
٤٢ - باب فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا، وقوله تعالى: [البقرة: ١٢٥ - ١٢٨] ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
(باب) بيان (فضل مكة) زادها الله تعالى شرفًا ورزقنا العود إليها على أحسن حال بمنه وكرمه (و) في (بنيانها)، أي الكعبة (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه أي في بيان تفسير قوله تعالى: (﴿وإذ جعلنا البيت﴾) أي الكعبة (﴿مثابة للناس﴾) من ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا إليه. أي: جعلنا البيت مرجعًا ومعاذًا يأتونه كل عام ويرجعون إليه فلا يقضون منه وطرًا، أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماده (﴿وأمنًا﴾) من المشركين أبدًا فإنهم لا يتعرضون لأهل مكة ويتعرضون لمن حولها، أولاً يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه كما هو مذهب أبي حنيفة ﵀، وقيل: يأمن الحاج من عذاب الآخرة من حيث أن الحج يجب ما قبله (﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى﴾) مقام إبراهيم الحجر المعروف أو المسجد الحرام أو الحرم أو مشاعر الحج. وقد صح أن عمر قال: يا رسول الله هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: "نعم". قال: أفلا نتخذه مصلّى: فأنزله الله (﴿واتخذوا﴾) الخ. وهو عطف على
اذكروا نعمتي أو على معنى مثابة أي ثوبوا إليه واتخذوا أو مقدّر بقلنا أي: وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة أو مدعى والأمر للاستحباب بالاتفاق (﴿وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) أمرناهما (﴿أن طهّرا بيتي﴾) أي: بأن طهرا وهو بمعنى الوحي عدّى بإلى يريد طهراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به وأخلصاه (﴿للطائفين﴾) حوله (﴿والعاكفين﴾) المقيمين عنده أو المعتكفين فيه (﴿والركع السجود﴾) جمع راكع وساجد أي المصلين، واستدلّ به على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت خلافًا لمالك ﵀ في الفرض. (﴿وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا﴾) البلد أو المكان (﴿بلدًا آمنًا﴾) أي ذا أمن كقوله تعالى: ﴿في عيشة راضية﴾ [الحاقة: ٢١ والقارعة: ٧] وآمنًا أهله كقولك: ليل نائم (﴿وارزق
أهله من الثمرات﴾) فاستجاب الله دعاءه بأن بعث الله تعالى جبريل عليه الصلاة والمسلام حتى اقتلع الطائف من موضع الأردن، ثم طاف بها حول الكعبة فسميت الطائف قاله المفسرون (﴿من آمن منهم بالله واليوم الآخر﴾) أبدل من آمن من أهله بدل البعض للتخصيص. (﴿قال ومن كفر﴾) عطف على من