مبين فتولى بركنه} [الذاريات: ٣٨ و٣٩] أي أدبر عن الإيمان (بمن معه) من قومه (لأنهم قوّته) التي كان يتقوى بها كالركن الذي يتقوى به البنيان كقوله تعالى: {أو آوي إلى ركن شديد} [هود: ٨٠] وذكره المؤلّف هنا استطرادًا لقوله في قصة لوط أو آوي إلى ركن شديد ({تركنوا}) في قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} [هود: ١١٣] أي لا (تميلوا) وذكرها استطرادًا أيضًا (فأنكرهم ونكرهم واستنكرهم واحد) في المعنى، وهذا قول أبي عبيدة في قوله تعالى: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم} [هود: ٧٠] واعترض هذا بأن الإنكار من
إبراهيم غير الإنكار من لوط لأن إبراهيم أنكرهم لما لم يأكلوا ولوطًا أنكرهم لما لم يبالوا بمجيء قومه إليهم فلا وجه لذكر هذا هنا {يهرعون} في قوله تعالى {وجاءه قومه يهرعون إليه} [هود: ٧٨] أي (يسرعون) {دابر} أي (آخر) يريد قوله تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع} [الحجر: ٦٦] أي آخرهم مقطوع مستأصل {صيحة} في قوله تعالى {إن كانت إلا صيحة واحدة} [يس: ٥٣] معناه (هلكة) ولا وجه لإيراده هنا. {للمتوسمين} [الحجر: ٧٥] قال الضحاك (للناظرين) وقال مجاهد: للمتفرسين {لبسبيل} قال أبو عبيدة أي (لبطريق).
٣٣٧٦ - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ".
وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فهل من مدكر}) [القمر: ١٥] بالدال المهملة والأصل مذتكر فأبدلت التاء دالاً مهملة ثم أبدلت المعجمة مهملة لمقاربتها ثم أدغم. وهذا الباب بتفسيره وحديث ثابت في الفرع وأصله لأبي ذر عن الحموي والمستملي، وقال الحافظ ابن حجر: هذه التفاسير وقعت في رواية المستملي وحده.
١٧ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: ٧٣] وَقَوْلِهِ: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} [الحجر: ٨٠]: الحجرِ: مَوْضِعُ ثَمُودَ. وَأَمَّا {حَرْثٌ حِجْرٌ}: حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ "حِجْرٌ مَحْجُورٌ"، وَالْحِجْرُ كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ، وَمَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ فَهْوَ حِجْرٌ وَمِنْهُ, سُمِّيَ حَطِيمُ الْبَيْتِ حِجْرًا، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ، وَيُقَالُ لِلأُنْثَى مِنَ الْخَيْلِ حِجْرُ، وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ. وَحِجًى وَأَمَّا حَجْرُ الْيَمَامَةِ فَهْوَ مَنْزِلٌ.
(باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود}) قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام وقيل سموا لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ({أخاهم صالحًا}) [الأعراف: ٧٣] هو ابن عبيد بن ماسخ بن عبيد بن حاذر بن ثمود ({كذب أصحاب الحجر}) [الحجر: ٨٠] (الحجر) وثبت لأبي ذر لفظ الحجر الثاني (موضع ثمود) قوم صالح وهو بين المدينة والشام (وأما {حرث حجر}) [الأنعام: ١٣٨] فمعناه (حرام، وكل) شيء (ممنوع فهو حجر محجور) أي حرام محرم (والحجر كل بناء بنيته) بتاء الخطاب في آخره ولأبي ذر تبنيه بها في أوله (وما حجرت عليه من الأرض) بتخفيف الجيم (فهو حجر، ومنه سمي حطيم البيت) الحرام وهو الحائط المستدير إلى جانبه (حجرًا
كأنه مشتق من محطوم) أي مكسور وكأن الحطيم سمي به لأنه كان في الأصل داخل الكعبة فانكسر بإخراجه منها (مثل قتيل من مقتول، ويقال) ولأبي الوقت وتقول (للأنثى من الخيل الحجر) بلا هاء وجمعه حجورة بإثباتها ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر حجر بالتنكير منونًا (ويقال للعقل حجر) قال تعالى: {هل في ذلك قسم لذي حجر} [الفجر: ٥] أي عقل لمنعه صاحبه من الوقوع في المكاره (و) يقال له أيضًا (حجى) بكسر الحاء وفتح الجيم منونة مخففة (وأما حجر اليمامة) بفتح الحاء (فهو منزل) لثمود، ولأبي ذر فهو المنزل.
٣٣٧٧ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ -قَالَ: انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ وَمَنَعَةٍ فِي قُوَّةٍ كَأَبِي زَمْعَةَ". [الحديث ٣٣٧٧ - أطرافه في: ٤٩٤٢، ٥٢٠٤، ٦٠٤٢].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) بفتح الميم وسكونها الأسدي أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخطب (وذكر) قصة قدار (الذي عقر الناقة) ناقة صالح، وذلك أن ثمود بعد عاد عمّروا بلادهم وخلفوهم وكثروا وعمروا أعمارًا طوالاً لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال وكانوا في خصب وسعة فعتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحًا من أشرافهم فأنذرهم فسألوه آية. فقال أية آية تريدون؟ قالوا: أخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو ألهتنا فمن استجيب له اتبع، فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تجبهم ثم أشار سيدهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة وقال له: أخرج من هذه الصخرة ناقة سوداء حالكة ذات عرف وناصية ووبر، وقيل قال ناقة ذات