أبيه.
٤٣ - باب عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ-
(باب عمرة القضاء).
قال السهيلي: سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشًا لا أنها قضاء عن عمرة الحديبية التي صدّ عنها لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة، ولذا عدّت في عمره ﵊، وقيل بل هي قضاء عنها، وإنما عدوها في عمره لثبوت الأجر فيها لا لأنها كملت وهو مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصدَّ عن البيت، والجمهور على وجوب الهدي من غير قضاء، وعن أبي حنيفة عكسه، ولأبي ذر عن المستملي: غزوة القضاء وتوجيه كونها غزوة أنه ﵊ خرج مستعدًّا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي مرفوع.
(ذكره) أي حديث عمرة القضاء (أنس عن النبي ﷺ) أنه لما دخل مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله … قد أنزل الرحمن في تنزيله
بأن خير القتل في سبيله … نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله
رواه عبد الرزاق، ورواه ابن حبان في صحيحه بزيادة وهي:
ويذهل الخليل عن خليله … يا رب إني مؤمن بقيله
فقال عمر ﵁: يا ابن رواحة أتقول الشعر بين يدي رسول الله ﷺ؟ فقال رسول الله ﷺ: "دعه يا عمر فهذا أشد عليهم من وقع النبل".
٤٢٥١ - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ ﵁ قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَذَا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ»، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ «امْحُ رَسُولَ اللَّهِ» قَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ «هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلَاحَ إِلاَّ السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا»، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ ﵍: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهْيَ بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ: هِيَ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ لِخَالَتِهَا وَقَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» وَقَالَ عَلِيٌّ أَلَا تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر عن المستملي: حدّثنا (عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (﵁) أنه (قال: لما) بتشديد الميم وسقطت لما لابن عساكر (اعتمر النبي ﷺ) أي أحرم بالعمرة (في ذي القعدة) سنة ست من الهجرة وبلغ الحديبية (فأبى) أي امتنع (أهل مكة أن يدعوه) بفتح الدال أن يتركوه (يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام) من العام المقبل (فلما كتبوا) أي المسلمون (الكتاب) ولأبي ذر عن الكشميهني: فلما كتب الكتاب بضم الكاف مبنيًّا للمفعول والكاتب علي بن أبي طالب (كتبوا: هذا ما قاضى) ولأبي ذر عن الكشميهني: ما قاضانا (عليه محمد رسول الله) قال ابن حجر: ورواية الكشميهني غلط وكأنه لما رأى قوله كتبوا ظن أن المراد قريش وليس كذلك بل المراد المسلمون ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدًا مجازية (قالوا: لا نقرّ بهذا) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا نقر لك بهذا (لو نعلم
أنك رسول الله ﷺ ما منعناك شيئًا) وعند النسائي: ما منعناك بيته (ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال):
(أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي: امح) ولأبي ذر وابن عساكر: لعلي بن أبي طالب ﵁ امح (رسول الله) أي الكلمة المكتوبة من الكتاب (قال عليّ) سقط لفظ عليّ لأبي ذر وابن عساكر (لا والله لا أمحوك أبدًا، فأخذ رسول الله ﷺ الكتاب وليس يحسن يكتب) فقال لعلي: أرني مكانها فمحاها فأعادها لعلي (فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله).
وبهذا التقرير يزول استشكال ظاهره المقتضي أنه ﷺ كتب المستلزم لكونه غير أمي وهو يناقض الآية التي قامت بها الحجة وأفحمت الجاحد، وقيل المراد بقوله كتب أمر بالكتابة فإسناد الكتابة إليه مجاز وهو كثير كقولهم: كتب إلى كسرى، وكتب إلى قيصر فقوله: كتب أي أمر عليًّا أن يكتب، وأما إنكار بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري فليس بشيء فقد علم ثبوتها فيه، وكذا أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى، وكذا أحمد عن يحيى بن المثنى عن إسرائيل ولفظه: فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله ﷺ