في المطلب، ولا بد من إمكانه مع القدرة على رعاية هيئة الساجد، بأن يكون على مرتفع، والمسجود عليه في منخفض.
وبه قال أحمد، والكوفيون، وقال مالك: يمسك، فإذا رفعوا سجد، وإذا قلنا بجواز السجود في الفرض فهو أجوز في سجود القرآن لأنه سنة، وذاك فرض.
١٠ - باب مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ
وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا. قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا. كَأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَلْمَانُ: مَا لِهَذَا غَدَوْنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ -رضي الله عنه-: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَسْجُدُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ. وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ.
(باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود) لحديث الباب الآتي إن شاء الله تعالى، ولحديث زيد بن ثابت السابق قريبًا: أنه قرأ على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {والنجم} فلم يسجد فيها.
وأما قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: ٦٢] وقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩] فمحمول على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة، أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب، وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي في حمل المشترك على معنييه.
وأوجبه الحنفية لأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب لاشتمال بعضها على الأمر بالسجود لأن مطلق الأمر للوجوب، واحتواء بعضها على الوعيد الشديد على تركه، وانطواء بعضها على استنكاف الكفرة عن السجود، والتحرز عن التشبه بهم واجب، وذلك بالسجود وانتظام بعضها على الإخبار عن فعل الملائكة والاقتداء بهم لازم لأن فيه تبرأ من الشيطان حيث لم يقتد به.
وحديث زيد لا ينفي الوجوب لأنه لا يقتضي إلا تركها متصلة بالتلاوة، والأمر في الآيتين للوجوب لتجرده عن القرينة الصارفة عن الوجوب، وحمله على سجود الصلاة يحتاج إلى دليل.
واستعماله في الصلاة المكتوبة على الوجوب، وفي سجدة التلاوة على الندب، استعمال لمفهومين مختلفين في حالة واحدة وهو ممتنع. انتهى.
واحتج الطحاوي للندبية بأن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر، ومنها ما هو بصيغة الأمر. وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر: هل فيها سجود أو لا، وهي: ثانية الحج، وخاتمة النجم، واقرأ. فلو كان سجود التلاوة واجبًا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر.
(وقيل لعمران بن حصين) مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح بمعناه: (الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها) أي: لقراءة السجدة، أي لا يكون مستمعًا؟ (قال) عمران: (أرأيت) أي: أخبرني (لو قعد لها؟) وهمزة: أرأيت. للاستفهام الإنكاري قال المؤلّف: (كأنه) أي عمران (لا يوجبه) أي: السجود (عليه) أي الذي قعد لها للاستماع. وإذا لم يجب على المستمع فعدمه على السامع أولى.
(وقال سلمان) الفارسي، مما وصله عبد الرزاق بإسناد صحيح من طريق أبي عبد الرحمن السلمي، قال: مر سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة، فسجدوا، فقيل له، فقال: (ما لهذا) أي: للسماع (غدونا) أي: لم نقصده، فلا نسجد.
(وقال عثمان) بن عفان (رضي الله عنه: إنما السجدة على من استمعها) أي: قصد سماعها وأصغى إليها، لا على سامعها. وهذا وصله عبد الرزاق بمعناه. بإسناد صحيح، عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عنه:
(وقال) ابن شهاب (الزهري)، مما وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه: (لا يسجد إلا أن يكون) بالمثناة التحتية فيهما ورفع الدال، ولأبوي ذر، والوقت: لا تسجد إلا أن تكون ... ، بالفوقية فيهما وسكون الدال، (طاهرًا، فإذا سجدت وأنت في حضر فاستقبل القبلة، فإن كنت راكبًا) أي: في سفر، لأنه قسيم الحضر (فلا عليك حيث كان وجهك) أي: لا بأس عليك أن تستقبل القبلة عند السجود، وهذا موضع الترجمة، لأن الواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن.
(وكان السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي أو: الأزدي، المعروف بابن أخت النمر، والنمر خال أبيه يزيد هو النمر بن جليّ، وتوفي السائب فيما قاله أبو نعيم: سنة اثنتين وثمانين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة (لا يسجد لسجود القاص) بتشديد الصاد المهملة، الذي يقرأ القصص، والأخبار، والمواعظ لكونه ليس قاصدًا لتلاوة القرآن، أو: لا يكون قاصدًا للسماع، أو: كان يسمعه ولم يكن يستمع، أو: كان لم يجلس له، فلا يسجد.
قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على هذا الأثر موصولاً. انتهى.
١٠٧٧ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ -قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ - رضي الله عنه". وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَاّ أَنْ نَشَاءَ".
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التيمي الرازي، المعروف بالصغير (قال: أخبرنا هشام بن