الاختصاص والثيب وزنها فعل من ثاب يثوب رجع لأنها ثابت بعد زوال عذرتها وأصلها ثيوب كسيد وميت أصلهما سيود وميوت فأعل الإعلال المشهور، وقال الزمخشري في كشافه وأخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات فلم يكن بدٌّ من الواو. اهـ.
وذهب القاضي الفاضل إلى أن هذه الواو واو الثمانية وتبجح باستخراجها وزيادتها على المواضع الثلاثة الواقعة في القرآن وهي {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولن خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم} [الكهف: ٢٢] وآية الزمر إذ قيل فتحت في آية النار لأن أبوابها سبعة وفتحت في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية وقوله: {والناهون عن المنكر} [التوبة: ١١٢] فإنه لوصف الثامن.
قال ابن هشام: والصواب أن هذه الواو وقعت بين صفتين هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصفات السابقة فلا يصح إسقاطها إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة وواو الثمانية عند القائل بها صالحة للسقوط ثم إن أبكارًا صفة تاسعة لا ثامنة إذ أول الصفات خيرًا منكنّ لا مسلمات فإن أجاب: بأن مسلمات وما بعده تفصيل لخيرًا منكنّ، فلهذا لم تعدّ قسمة لها قلنا وكذلك ثيبات وأبكارًا تفصيل للصفات السابقة فلا نعدهما معهن.
وفي معجم الطبراني الكبير عن بريدة قال: وعد الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الآية أن يزوّجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالبكر مريم بنت عمران وبدأ بالثيب قبل البكر لأن زمن آسية قبل مريم، أو
لأن أزواجه عليه الصلاة والسلام كلهم ثيب إلا عائشة. قيل: وأفضلهن خديجة فالتقديم من جهة قبلية الفضل وقبلية الزمان لأنه تزوّج الثيب منهن قبل البكر.
وفي حديث ضعيف عند ابن عساكر عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على خديجة وهي في الموت فقال: "يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام" فقالت: يا رسول الله وهل تزوّجت قبلي؟ قال: "لا ولكن الله زوّجني مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى". وروي نحوه بإسناد ضعيف من حديث أبي أمامة عند أبي يعلى وسقط لأبي ذر قوله مسلمات الخ. وقال بعد منكنّ الآية.
٤٩١٦ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ -رضي الله عنه- قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: ٥] فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما الواسطي نزيل البصرة قال: (حدّثنا هشيم) بن بشير مصغرين (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- اجتمع نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغيرة عليه) بفتح الغين المعجمة (فقلت لهن) رضوان الله عليهن: ({عسى ربه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ} فنزلت هذه الآية) ولأبي ذر عن الكشميهني فقلت له أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
قال في الكشاف فإن قلت: كيف تكون المبدلات خيرًا منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟ وأجاب: بأنه عليه الصلاة والسلام إذا طلقهن لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنزول على هواه ورضاه خيرًا منهن، وقال في الأنوار: وليس في الآية ما يدل على أنه لم يطلق حفصة لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة.
وهذا الحديث سبق بتمامه في باب ما جاء في القبلة من كتاب الصلاة.
[٦٧] سورة {تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلْكُ}
التَّفَاوُتُ: الاِخْتِلَافُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ. {تَمَيَّزُ}: تَقَطَّعُ. {مَنَاكِبِهَا}: جَوَانِبِهَا. {تَدَّعُونَ}: وَتَدْعُونَ مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ. وَيَقْبِضْنَ: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ صَافَّاتٍ: بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ. {وَنُفُورٍ}: الْكُفُورُ.
([٦٧] سورة {تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلْكُ})
مكية وآيها ثلاثون ولغير أبي ذر سورة الملك وقوله ({تبارك}) أي تنزه عن صفات المحدثين و ({الذي بيده الملك}) [الملك: ١] بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها.
(التفاوت) قال الفراء (الاختلاف والتفاوت) بالألف والتخفيف (والتفوّت) بغير ألف والتشديد وبها قرأ حمزة والكسائي (واحد) في المعنى كالتعهد والتعاهد.
({تميز}) أي (تقطع) من الغيظ قال في الأنوار وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم