للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للمستملي قوله: يبيت، وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الطهارة.

١٢ - باب ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ. لِقَوْلِهِ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ -إِلَى قَوْلِهِ- ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾. ﴿بَخْسًا﴾: نَقْصًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ. قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾: سَيُحْضَرُونَ لِلْحِسَابِ. ﴿جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾: عِنْدَ الْحِسَابِ.

(باب ذكر) وجود (الجن و) ذكر (ثوابهم) على الطاعات (و) ذكر (عقابهم) على المعاصي، وقد دلت على وجودهم نصوص الكتاب والسنة مع إجماع كافة العلماء في عصر الصحابة والتابعين عليه وتواتر نقله عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم تواترًا ظاهرًا يعلمه الخاص والعام فلا عبرة بإنكار الفلاسفة والباطنية وغيرهم ذلك، وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر القرشي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: خلق الله تعالى الجن قبل آدم بألفي سنة.

وفي ربيع الأبرار للزمخشري عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله خلق الخلق أربعة أصناف الملائكة والشياطين والجن والإنس، ثم جعل هؤلاء الأربعة عشرة أجزاء فتسعة منهم الملائكة وجزء واحد الشياطين والجن والإنس، ثم جعل هؤلاء الثلاثة عشرة أجزاء فتسعة منهم الشياطين وواحد الجن والإنس، ثم جعل الجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة منهم الجن وواحد منهم الإنس". قال صاحب آكام المرجان: فعلى هذا تكون نسبة الإنس من الخلق كنسبة الواحد من الألف، ونسبة الجن من الخلق كنسبة التسعة من الألف، ونسبة الشياطين من الخلق كنسبة التسعين من الألف، ونسبة الملائكة من الخلق كنسبة التسعمائة من الألف، وقد ثبت في القرآن والسنة أن أصل الجن النار كما أن أصل الإنس الطين.

فإن قلت: إذا ثبت أنهم من النار فكيف تحرقهم الشهب عند استراقهم السمع والنار لا تحرق النار؟ أجيب: بأنه ليس المراد أن الجني نار حقيقة وإن كان أصله منها، كما أن الآدمي ليس

طينًا وإن كان أصله منه، وفي حديث عروص الشيطان له في صلاته أنه خنقه حتى وجد برد ريقه على يده ولو كانت ذاته نارًا محرقة لما كان له ريق بارد بل ولا ريق أصلاً.

وقد اختلف في صفتهم فقال أبو يعلى بن الفراء: هم أجسام مؤلفة وأشخاص مركبة يجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة إذ لا يمكن معرفتها على التعيين إلا بالمشاهدة أو بإخبار الله تعالى أو رسوله وكل مفقود، وقول المعتزلة: إنما هم أجسام رقيقة ولرقتهم لا نراهم مردود فإن الرقة ليست بمانعة عن الرؤية، ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها، وقد روى إسحاق في المبتدأ عن عكرمة عن ابن عباس لما خلق الله سوميًا أبا الجن وهو الذي خلق من مارج من نار قال : تمنّ قال: أتمنى أن نرى ولا نرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شابًّا. قال: فأعطي ذلك فهم يرون ولا يرون وإذا ماتوا غيبوا فى الثرى ولا يموت كهلهم حتى يعود شابًّا يعني مثل الصبي ثم يردّ إلى أرذل العمر اهـ.

فخلق الله تعالى في عيون الجن إدراكًا يرون به الإنس ولا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق لهم ذلك الإدراك قال تعالى: ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم﴾ [الأعراف: ٢٧] وهو يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص.

قال ابن عساكر في كتاب الزهادة في طلب الشهادة فيما نقله عنه في الآكام: وممن ترد شهادته ولا تسلم له عدالته من يزعم أنه يرى الجن عيانًا ويدعي أن له منهم إخوانًا، ثم روى بسنده إلى حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى في كتابه الكريم ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم﴾ [الأعراف: ٢٧] وعن الربيع سمعت الشافعي يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلت شهادته لأن الله تعالى يقول: ﴿إنه يراكم﴾ الآية. إلا أن يكون نبيًا.

قال في الفتح: وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من زعم أنه يراهم بعد أن يتصوروا على صورة شيء من الحيوان فلا، وقد تواترت الأخبار بتصورهم في صور شتى فيتصوّرون بصور بني آدم كما أتى الشيطان قريشًا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. وفي صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>