وفي صورة الحيات. ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "إن بالمدينة نفرًا من الجن فإذا رأيتم من هذه الهوام شيئًا فآذنوه ثلاثًا فإن بدا لكم فاقتلوه".
وفي صورة الكلاب. واختلف في ذلك فقيل: هو تخييل فقط ولا قدرة لهم على تغيير خلقتهم والانتقال في الصور، وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات وضربًا من ضروب الأفعال إذا تكلموا بها وفعلوها نقلهم الله تعالى من صورة إلى صورة فيقال: إنهم قادرون على التصوير والتخييل على معنى أنهم قادرون على قول إذا قالوه نقلهم الله من صورة إلى أخرى، وأما تصوير
أنفسهم فذلك محال لأن انتقال الصورة إلى أخرى إنما يكون ينقض البنية. وتفريق الأجزاء وإذا نقضت بطلت تلك الحياة واستحال وقوع الفعل بالجملة، وكذا القول في تشكل الملائكة وقد ذكر ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن أبي شيبة. قال ابن حجر: بإسناد صحيح أن الغيلان ذكروا عند عمر فقال: إن أحدًا لا يستطيع أن يتغير عن صورته التي خلقه الله تعالى عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم ذلك فأذنوا.
وفي حديث عبد الله بن عبيد بن عمير قال: سئل رسول الله ﷺ عن الغيلان. قال "هم سحرة الجن". ورواه إبراهيم بن هراسة عن جرير بن حازم بن عبد الله بن عبيد عن جابر وصله.
وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي ثعلبة الخشني ﵁ أن النبي ﷺ-قال: "الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات، وصنف يحلون ويظعنون". ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
وفي حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "خلق الله الجن ثلاثة أصناف: صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح في الهواء، وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب. وخلق الله بني آدم أصنافًا: صنف منهم كالبهائم. قال الله تعالى: ﴿إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلاً﴾ [الفرقان: ٤٤] وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله". قال ابن حبان: رواه يزيد بن سفيان الرهاوي عن أبي المنيب عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي الدرداء. ويزيد بن سفيان ضعفه يحيى وأحمد وابن المديني، واختلف في الجن هل يأكلون ويشربون؟ والصحيح الذي عليه الجمهور أنهم يأكلون ويشربون، ويدل لذلك الأحاديث الصحيحة والعمومات الصريحة.
منها: حديث أمية بن مخشي عند أبي داود: كان رسول الله ﷺ جالسًا ورجل يأكل ولم يسم حتى إذا لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك رسول الله ﷺ ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه".
وفي الصحيحين أن الجن سألوه ﷺ الزاد فقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في يد أحدهم أوفر ما يكون لحمًا وكل بعر علف لدوابهم" وفي البخاري أن الروث والعظم طعام الجن.
وفي أبي داود: كل عظم لم يذكر اسم الله عليه فالأول محمول على الجن المؤمنين، والثاني في حق الشياطين. وفي هذا رد على من زعم أن الجن لا تأكل ولا تشرب، وتأول قوله ﷺ: "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" على المجاز أي أكل يحبه الشيطان ويدعو إليه ويزينه. قال ابن عبد البر: وهذا ليس بشيء ولا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة
بوجه ما، وأما قول بعضهم أكل الجن صحيح ولكنه تشمم واسترواح لا مضغ وبلع وإنما المضع والبلع لذوي الجثث فلا دليل عليه، وكونهم أجسادًا رقيقة لا يمنع أن يكونوا ممن يأكل ويشرب، وبالجملة فالقائلون إن الجن لا تأكل ولا تشرب إن أرادوا جميعهم فباطل لمصادمتهم الأحاديث الصحيحة، وإن أرادوا صنفًا منهم فمحتمل، لكن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون. وقول الله تعالى: ﴿لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان﴾ [الرحمن: ٥٦] يدل على أنه يتأتى من الجن الطمث وهو الافتضاض وهو الجماع الذي يكون معه تدمية من الفرج أو المسيس بالمجامعة، وكذا قوله تعالى: ﴿أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني﴾ [الكهف: ٥٠]