(أن يعطيه) أي يعطي النبي ﷺ القدح (الأعرابيّ أعط) بهمزة مفتوحة القدح (أبا بكر يا رسول الله عندك) قاله تذكيرًا للرسول ﵊ وإعلامًا
للأعرابي بجلالة الصديق (فأعطاه) ﵊ (الأعراب الذي على يمينه) ولأبي ذر في نسخة وصحح عليها في الفرع وأصله عن بالنون بدل على باللام، (ثم قال) ﵊:
قدّموا (الأيمن فالأيمن) قال الكرماني وتبعه البرماوي وغيره: الأيمن ضبط بالنصب على تقدير أعط الأيمن وبالرفع على تقدير الأيمن أحق، واستدلّ العيني لترجيح الرفع بقوله في بعض طرق الحديث الأيمنون الأيمنون الأيمنون قال أنس فهي سنة فهي سنة فهي سنة أي تقدمة الأيمن وإن كان مفضولاً لا خلاف في ذلك. نعم، خالف ابن حزم فقال: لا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذن الأيمن.
وأما حديث ابن عباس عند أبي يعلى الموصلي بإسناد صحيح قال: كان رسول الله ﷺ إذا سقي قال "ابدؤوا بالكبراء -أو قال- بالأكابر" فمحمول على ما إذا لم يكن على جهة يمينه أحد، بل كان الحاضرون تلقاء وجهه مثلاً وإنما استأذن ﵊ الغلام في الحديث السابق ولم يستأذن الأعرابي هنا ائتلافًا لقلب الأعرابي وتطييبًا لنفسه وشفقة أن يسبق إلى قلبه شيء يهلك به لقرب عهده بالجاهلية ولم يجعل للغلام ذلك لأنه قرابته وسنّه دون المشيخة فاستأذنه عليهم تأدّبًا ولئلا يوحشهم بتقديمه عليهم وتعليمًا بأنه لا يدفع إلى غير الأيمن بإذنه.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
٢ - باب مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ
(باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى) بفتح أوله وثالثه من الري (لقول النبي ﷺ) الآتي إن شاء الله تعالى موصولاً (لا يمنع) بضم أوله مبنيًّا للمفعول مرفوعًا نفي بمعنى النهي ولأبي ذر ولا يمنع بالجزم على النهي (فضل الماء) بالرفع نائب عن الفاعل لأن مفهومه أنه أحق بمائه عند عدم الفضل.
٢٣٥٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ».
[الحديث ٢٣٥٣ - طرفاه في: ٢٣٥٤، ٦٩٦٢].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال):
(لا يمنع) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (فضل الماء ليمنع) مبني للمفعول أيضًا (به الكلأ) بفتح الكاف والرفع العشب يابسه ورطبه واللام في ليمنع لام العاقبة كهي في قوله تعالى: ﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنًا﴾ [القصص: ٨] ومعنى الحديث أن من شقّ ماء بفلاة وكان حول ذلك الماء كلأ ليس حوله ماء غيره ولا يوصل إلى رعيه إلا إذا كانت المواشي ترد ذلك فنهى صاحب الماء أن يمنع فضل مائه لأنه إذا منعه منع رعي ذلك الكلأ والكلأ لا يمنع لما في منعه من الإضرار بالناس، ويلتحق به الرعاء إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك، والصحيح عند الشافعية وبه قال الحنفية الاختصاص بالماشية، وفرق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزروع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع، وهذا محمول عند أكثر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم على ماء البئر المحفورة في الملك أو في الموات بقصد التملك أو الارتفاق خاصة فالأولى وهي التي في ملكه أو في موات بقصد التملك ماؤها مملوك على الصحيح عند أصحابنا. ونص عليه الشافعي في القديم والثانية وهي المحفورة في موات الارتفاق لا يملك الحافر ماءها. نعم هو أولى به إلى أن يرتحل فإذا ارتحل صار كغيره ولو عاد بعد ذلك وفي كلا الحالين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد بحاجته نفسه وعياله وماشيته وزرعه، لكن قال إمام الحرمين: وفي الزرع احتمال على بعد أما البئر المحفورة للمارة فماؤها مشترك بينهم والحافر كأحدهم ويجوز الاستقاء منها للشرب وسقي الزرع فإن ضاق عنهما فالشرب أولى وكذا المحفورة بلا قصد على أصح الوجهين عند أصحابنا، وأما المحرز في إناء فلا يجب بذل فضله على الصحيح لغير المضطر ويملك بالإحراز هذا كلام