أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(أتموا الركوع والسجود فو) الله (الذي نفسي بيده إني لأراكم) بفتح الهمزة (من بعد) أي من وراء (ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم) أي إذا ركعتم وإذا سجدتم فما زائدة فيهما والرؤية هنا رؤية إدراك وهي لا تتوقف على وجود آلتها التي هي العين ولا شعاع ولا مقابلة وهذا بالنسبة إلى القديم العالي أما المخلوق فتتوقف صفة الرؤية في حقه على الحاسة والمقابلة والشعاع، ومن ثم كان خرق عادة في حقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها.
وفي المواهب اللدنية مما جمعته ما يكفي ويشفي، والحديث سبق في الصلاة.
٦٦٤٥ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهَا أَوْلَادٌ لَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ» قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا وهب بن جرير) الأزدي الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن امرأة من الأنصار) قال في الفتح: لم أقف على اسمها (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (معها أولاد لها) لم يعرف ابن حجر أسماءهم، ولأبي ذر عن الكشميهني أولادها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(والذي نفسي بيده إنكم لأحب الناس إليّ) بتشديد الياء (قالها ثلاث مرار) قال في الكواكب الخطاب في قوله إنكم لجنس المرأة وأولادها يعني الأنصار وهو عام مخصص بدلائل أخر فلا يلزم منه أن يكون الأنصار أفضل من المهاجرين عمومًا ومن المعمرين خصوصًا.
والحديث سبق في فضل الأنصار.
٤ - باب لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ
هذا (باب) بالتنوين قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا تحلفوا بآبائكم).
٦٦٤٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهْوَ يَسِيرُ فِى رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: «أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام ابن أنس الأصبحي (عن نافع) أبي عبد الله الفقيه (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أدرك عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (وهو يسير في ركب) راكبي الإبل عشرة فصاعدًا حال كونه (يحلف بأبيه) الخطاب (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ألا) بالتخفيف (إن الله) عز وجل (ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) وفي مصنف ابن أبي شيبة من طريق عكرمة قال: قال عمر -رضي الله عنه-: حدث قومًا حديثًا فقلت لا وأبي فقال رجل من خلفي: لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم" قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل يتقوى بشواهد، وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفلح وأبيه إن صدق، فقال ابن عبد البر إن هذه اللفظة منكرة غير محفوظة تردّها الآثار الصحاح، وقيل إنها مصحفة من قوله والله وهو محتمل، ولكن مثل هذا لا يثبت بالاحتمال لا سيما وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال: وأبيك ما ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره، وفي مسلم مرفوعًا أن رجلاً سأله أي الصدقة أفضل؟ فقال:
وأبيك لأنبئنك أو لأحدّثنك وأحسن الأجوبة ما قاله البيهقي وارتضاه النووي وغيره أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصدوا به القسم والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف أو أن في الكلام حذفًا أي أفلح ورب أبيه قاله البيهقي أيضًا (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) بضم الميم ومن شرطية في موضع رفع بالابتداء وكان واسمها وخبرها في محل الخبر، والمعنى من كان مريدًا للحلف فليحلف بالله لا بغيره من الآباء وغيرهم، وحكمته أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله تعالى وحده وظاهره تخصيص الحلف بالله خاصة لكن اتفقوا على أنه ينعقد بما اختص الله تعالى به ولو مشتقًا ولو من غير أسمائه الحسنى كوالله ورب العالمين والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده إلا أن يريد به غير اليمين فيقبل منه كما في الروضة كأصلها أو بما هو فيه تعالى عند الإِطلاق أغلب كالرحيم والخالق والرزاق والرب ما لم يرد بها غيره تعالى لأنها تستعمل في غيره مقيدة كرحيم القلب وخالق الإفك ورازق الجيش ورب الإِبل أو بما هو فيه تعالى، وفي غيره سواء كالموجود والعالم والحي إن أراده تعالى