بها بخلاف ما إذا أراد بها غيره أو أطلق لأنها لما أطلقت عليهما سواء أشبهت الكنايات وبصفته الذاتية كعظمته وعزته وكبريائه وكلامه ومشيئته وعلمه وقدرته وحقه إلا أن يريد بالحق العبادات أو بعلمه وقدرته المعلوم والمقدور وظاهر قوله فليحلف بالله الإذن في الحلف، ولكن قال الشافعية: يكره لقوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}[البقرة: ٢٢٤] إلا في طاعة من فعل واجب أو مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة، وفي دعوى عند حاكم، وفي حاجة كتوكيد كلام كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فوالله لا يمل الله حتى تملوا" أو تعظيم أمر كقوله: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا" فلا يكره فيهما.
وبه قال:(حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مولى الأنصار المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: قال سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قال ابن عمر: سمعت عمر) -رضي الله عنه- (يقول: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) جملة ينهاكم في محل رفع خبر إن وأن مصدرية في محل نصب أو جرّ بتقدير حرف الجر أي ينهاكم عن أن تحلفوا الأوّل للخليل والكسائي والثاني لسيبويه وحكم غير الآباء من سائر الخلق كحكم الآباء في النهي، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي
وقال حسن وصححه الحاكم أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" والتعبير بذلك للمبالغة في الزجر والتغليظ وهل النهي للتحريم أو التنزيه المشهور عند المالكية الكراهة وعند الحنابلة التحريم وجمهور الشافعية أنه للتنزيه. وقال إمام الحرمين: الذهب القطع بالكراهة. وقال غيره بالتفصيل فإن اعتقد فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكفر بذلك الاعتقاد أما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه.
(قال عمر) -رضي الله عنه-: (فوالله ما حلفت بها) أي بأبي (منذ سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومنذ ظرف مضاف إلى الجملة بتقدير زمان أي ما حلفت بها منذ زمن سماعي للنهي عنها حال كوني (ذاكرًا) أي عامدًا (ولا آثرًا) بهمزة ممدودة فمثلثة مكسورة أي حاكيًا عن غيري أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري واستشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفًا. وأجيب: باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفًا أي ولا ذكرتها آثرًا عن غيري أن يكون ضمن حلفت معنى تكلمت أو معناه يرجع إلى معنى التفاخر بالآباء والإكرام لهم فكأنه قال: ما حلفت بآبائي ذاكرًا لمآثرهم.
(قال مجاهد) فيما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح في تفسير قوله تعالى ({أو أثارة من علم})[الأحقاف: ٤] وفي نسخة أو أثرة بإسقاط الألف بعد المثلثة وفي هامش الفرع كأصله قرئ بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما أي (يأثر علمًا) بضم المثلثة واختلف في معنى هذه اللفظة ومحصل ما ذكر في ذلك ثلاثة أقوال أحدها البقية والأصل أثرت الشيء آثره أثارة كأنها بقية تستخرج فتثار الثاني من الأثر وهو الرواية الثالث من الأثر وهي العلامة (تابعه) أي تابع يونس (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد مما رواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (والزبيدي) محمد بن الوليد مما وصله النسائي (وإسحاق) بن يحيى (الكلبي) الحمصي مما هو في مشيخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان الثلاثة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله الحميدي في مسنده (ومعمر) هو ابن راشد مما وصله أبو داود كلاهما (عن الزهري عن سالم عن ابن عمر) أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر).
وفي هذا الحديث الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خص في حديث ابن عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور