حال كونه (يضحك) إعجابًا وفرحًا بما رأى من المنزلة الرفيعة (قالت) أم حرام: (فقلت ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال):
(ناس من أمتي عرضوا علي) بتشديد التحتية (غزاة في سبيل الله) عز وجل (يركبون ثبج هذا البحر) بفتح المثلثة والموحدة والجيم هوله أو معظمه أو وسطه ولمسلم يركبون ظهر البحر أي يركبون السفن التي تجري على ظهره ولما كان جري السفن غالبًا إنما يكون في وسطه. قيل المراد وسطهِ وإلا فلا اختصاص لوسطه بالركوب (ملوكًا) نصب. قال في العمدة: بنزع الخافض أي مثل ملوك ولأبي ذر ملوك بالرفع أي هم ملوك (على الأسرة) في الجنة ورؤياه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحي، وقال الله تعالى في صفة أهل الجنة {على سرر متقابلين}[الحجر: ٤٧](أو قال مثل الملوك على الأسرة شك) ولأبي ذر يشك بلفظ المضارع (إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة المذكور. قال في الفتح: والإتيان بالتمثيل في معظم طرق الحديث يدل على أنه رأى ما يؤول إليه أمرهم لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة أو موضع التشبيه أنهم فيما هم فيه من النعيم الذي أثيبوا به على جهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم والتشبيه بالمحسوس أبلغ في نفس السامع (قالت) ولأبي ذر فقلت يا رسول الله (ادع الله أن يجعلني منهم فدعا) ليس فقال: "اللهم اجعلها منهم" وفي رواية حماد بن زيد في الجهاد فقال: أنت منهم (ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ) حال كونه (يضحك) إعجابًا وفرحًا بما رآه من النعيم (فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج) ظهر (هذا البحر ملوكًا على الأسرة أو) قال: (مثل الملوك على الأسرة - فقلت) يا رسول الله (ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين) زاد أبو عوانة من طريق الدراوردي عن أبي طوالة ولست من الآخرين وفي رواية عمير بن الأسود في باب ما قيل في قتال الروم أنه قال: في الأولى يغزون هذا البحر وفي الثانية يغزون قيصر فيدل على أن الثانية إنما غزت في البر. (فركبت البحر) أم حرام (زمان) ولأبي ذر في زمان إمرة (معاوية) بن أبي سفيان على الشام في خلافة عثمان (فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) أي ماتت وفي رواية الليث في الجهاد، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين إلى الشام قربت لها دابة لتركبها فصرعت عنها فماتت، وفي الحديث جواز ركوب البحر الملح وكان عمر يمنع منه ثم أذن فيه عثمان. قال ابن العربي: ثم منع منه عمر بن عبد العزيز ثم أذن فيه من بعده واستقر الأمر عليه، ونقل عن عمر أنه إنما منع من ركوبه لغير الحج والعمرة ونحو ذلك، ونقل ابن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقًا، وكره مالك ركوب النساء البحر لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال إذ يعسر الاحتراز من ذلك، وخص أصحابه ذلك بالسفن الصغار وأما الكبار التي يمكن فيها الاستتار بأماكن تخصهن فلا حرج ومشروعية القائلة لما فيها من الإعانة على قيام الليل، وفيه علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الأخبار بما سيقع فوقع كما قال.
وبه قال:(حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبستين) بكسر اللام (وعن بيعتين) بفتح الموحدة (اشتمال الصماء) بتشديد الميم بعد الصاد المهملة وهو أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب واشتمال جر بدلاً من سابقه كقوله (والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرج الإنسان منه شيء والملامسة) بضم الميم والخفض عطفًا على سابقه وهو لمس الرجل ثوب الآخر بيده (والمنابذة) بالذال المعجمة وهي أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بهما من غير نظير.
ومطابقة الحديث لما ترجم من حيث إنه خص النهي بحالتين فيفهم منه أن ما عداهما ليس منهيًّا عنه لأن الأصل عدم النهي فالأصل الجواز. نعم نقل