وهذا على مذهبهم في استعمال الكناية وترك التصريح بالسوء كقول الرجل لمن أراد أن يكذبه: والله إن أحدنا لكاذب ويريد خصمه على التعيين، وحمله بعضهم على المستحل لذلك إذ المسلم لا يكفر بالمعصية، أو المراد رجع عليه التكفير إذ كأنه كفر نفسه لأنه كفر من هو مثله، أو المراد أن ذلك يؤول به إلى الكفر لأن المعاصي بريد الكفر ويخاف على المكثر منها أن تكون عاقبة شؤمها المصير إليه.
٦١٠٥ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن ثابت بن الضحاك) بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من حلف بملّة غير) ملّة (الإسلام) كأن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي (كاذبًا فهو كما قال). كاذب لا كافر لأنه ما تعمد الكذب الذي حلف عليه التزام الملة التي حلف بها بل كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له وأما من حلف بها وهو فيما حلف عليه صادق فهو لتصحيح براءته من تلك الملة مثل أن يقول: هو يهودي إن أكل اليوم ولم يأكل فيه فلم يتوجه عليه إثم لعقد نيته على نفيها شرطها لكنه لا يبرأ من الملامة لمخالفته حديث: من كان حالفًا فليحلف بالله. نعم يكفر إن أراد أن يكون متصفًا بذلك إذا وقع المحلوف عليه لأن إرادة الكفر كفر (ومن فتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم) فعذابه من جنس علمه (ولعن المؤمن كقتله) لأن اللعن تبعيد من رحمة الله والقتل تبعيد من الحياة (ومن رمى مؤمنًا بكفر) كان قال: يا كافر (فهو) أي الرمي (كقتله) في التحريم أو في التألم، ووجه المشابهة أن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل في أن المتسبب للشيء كفاعله.
والحديث سبق في الجنائز.
٧٤ - باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلاً
وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».
(باب من لم ير إكفار من قال ذلك) القول السابق في الترجمة المتقدمة حال كونه (متأولاً) بأن ظنه كذا (أو) قال حال كونه (جاهلاً) بحكم ذلك القول أو المقول فيه.
(وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (لحاطب) بالحاء والطاء المهملتين بينهما ألف وآخره موحدة، ولأبي ذر بزيادة ابن أبي بلتعة مما سبق موصولاً في سورة الممتحنة لما ظن نفاقه بكتابه إلى أهل مكة يخبرهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغزوهم (أنه منافق) وللحموي والمستملي أنه نافق بصيغة الماضي (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعمر:
(وما يدريك لعل الله قد اطّلع الى) ولأبي ذر عن الكشميهني على (أهل بدر) الذين حضروا وقعتها (فقال: قد غفرت لكم) ومعنى الترجي راجع إلى عمر لأن وقوع هذا الأمر محقق عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
٦١٠٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضى الله عنه - كَانَ يُصَلِّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَأْتِى قَوْمَهُ فَيُصَلِّى بِهِمُ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِى بِنَوَاضِحِنَا وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْتُ فَزَعَمَ أَنِّى مُنَافِقٌ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ»؟ ثَلَاثًا «اقْرَأْ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١]، وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] وَنَحْوَهَا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبادة) الواسطي بفتح العين المهملة والموحدة المخففة كما ذكره الحفاظ الدارقطني وابن ماكولا وأبو علي الغساني والحافظ عبد الغني روى عنه البخاري هنا وفي كتاب الاعتصام قال: (أخبرنا يزيد) من الزيادة ابن هارون قال: (أخبرنا سليم) بفتح السين المهملة وكسر اللام ابن حبان الهذلي البصري قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) قال: (حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان يصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم يأتي قومه) بني سلمة (فيصلّي بهم الصلاة) التي صلاها مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر: صلاة وكانت صلاة العشاء، ولأبي داود والنسائي: صلاة المغرب، لكن قال البيهقي: رواية العشاء أصح (فقرأ بهم البقرة) ولمسلم فافتتح سورة البقرة (قال) جابر: (فتجوّز رجل) هو حزم بن أبي بن كعب كما عند أبي داود وابن حبان، وعند الخطيب هو سلم بن الحارث ولابن الأثير حرام بن ملحان أي فخفف (فصلّى) منفردًا (صلاة خفيفة) بأن يكون قطع الصلاة أو قطع القدوة (فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق) قال ذلك متأولاً ظانًّا أن التارك للجماعة منافق (فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا) جمع ناضح بالضاد المعجمة والحاء المهملة