أمره أن يسامح ببعض حقه فلما لم يرض الأنصاري استقصى الحكم وحكم به، وأما قول ابن الصباغ وغيره أنه لما لم يقبل الخصم ما حكم به أوّلاً ووقع منه ما وقع أمره أن يستوفي أكثر من حقه عقوبة للأنصاري لما كانت العقوبة بالأموال ففيه نظر لأن سياق الحديث يأبى ذلك لا سيما قوله: واستوعى للزبير حقه في صريح الحكم كما في رواية شعيب في الصلح ومعمر في التفسير فمجموع الطرق قد دلّ على أنه أمر الزبير أوّلاً أن يترك بعض حقه، وثانيًا أن يستوفيه وقول الكرماني تبعًا للخطابي، ولعل قوله واستوعى له حقه من كلام الزهري إذ عادته الإدراج فيه شيء لأن الأصل في الحديث أن يكون حكمه كله واحدًا حتى يرد ما بين ذلك ولا يثبت الإدراج بالاحتمال.
(فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾ [النساء: ٦٥] وسقط قوله: فيما شجر بينهم لأبي ذر وقد جزم هنا بأن الآية نزلت في ذلك وشك فيما سبق قال أحسب وجمع بينهما بأن الشخص قد يشك ثم يتحقق الأمر عنده وبالعكس.
قال ابن جريج (قال) ولأبي ذر: فقال (لي ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فقدّرت الأنصار والناس) من عطف العامّ على الخاص (قول النبي ﷺ) أي للزبير.
(اسق ثم احبس) بهمزة وصل فيهما (حتى يرجع إلى الجدر وكان ذلك) أي قوله اسق الخ (إلى الكعبين) يعني قدروا الماء الذي يرجع إلى الجدر فوجدوه يبلغ الكعبين، وهذا هو الذي عليه الجمهور في سقي الأرض بالماء غير المختص إذا تزاحموا عليه وضاق عنهم فيسقي الأول فالأول فيحبس كل واحد الماء إلى أن يبلغ الكعبين لأنه ﷺ قضى بذلك في مسيل مهزور بفتح الميم وسكون الهاء وضم الزاي وبعد الواو الساكنة راء ومذينب بذال معجمة ونون مصغرًا واديان بالمدينة أن يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعلى قبل الأسفل رواه مالك في الموطأ من مرسل عبد الله بن أبي بكر وله إسناد موصول في غرائب مالك للدارقطني من حديث عائشة وصححه الحاكم، وأخرجه أبو داود وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده حسن.
وعن الماوردي الأولى التقدير بالحاجة في العادة لأن الحاجة تختلف باختلاف الأرض وباختلاف ما فيها من زرع وشجر وبوقت الزراعة ووقت السقي ثم يرسله الأول إلى الثاني، وهكذا فإن انخفض بعض من أرض الأعلى بحيث يأخذ فوق الحاجة قبل سقي المرتفع منها أفرد كلٌّ منهما بسقي بأن يسقي أحدهما ثم يسدّه ثم يسقي الآخر فإن احتاج الأول إلى السقي مرة أخرى قدم، أما إذا اتسع الماء فيسقي كل منهما متى شاء وهل الماء الذي يرسله هو ما يفضل عن الماء الذي حبسه، أو الجميع المحبوس وغيره بعد أن يصل إلى أرضه إلى الكعبين الذي ذكره أصحاب الشافعي؟ الأول وهو قول مطرف وابن الماجشون من المالكية، وقال ابن القاسم: يرسله كله ولا يحبس منه شيئًا، ورجح ابن حبيب الأول بأن مطرّفًا وابن الماجشون من أهل المدينة وبها كانت القصة فهما أقعد بذلك لكن ظاهر الحديث مع ابن القاسم لأنه قال: احبس الماء حتى يبلغ الجدر والذي يبلغ الجدر هو الماء الذي يدخل الحائط فمقتضى اللفظ أنه هو الذي يرسله بعد هذه الغاية، وزاد في رواية أبي ذر عن المستملي بعد قوله إلى الجدر الجدر هو الأصل وقد مرّ ما فيه قريبًا فليراجع والله الموفق والمعين.
٩ - باب فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ
(باب فضل سقي الماء) للمحتاج إليه.
٢٣٦٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي. فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية زاد في المظالم مولى أبي بكر أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال):
(بينا) بغير ميم (رجل) لم يسم (يمشي) وللدارقطني في الموطآت من طريق روح عن مالك: يمشي بفلاة وله من طريق ابن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة (فاشتد عليه العطش)