الحافظ ابن حجر: وفي روايتنا بالتخفيف من وكله بكذا إذا استكفاه وصرف أمره إليه (بالرحم ملكًا يقول) عند وقوع النطفة التماسًا لإتمام الخلقة، أو الدعاء بإقامة الصورة الكاملة عليها أو الاستعلام أو نحو ذلك فليس في ذلك فائدة الخبر ولا لازمة لأن الله تعالى عالم الكل فهو على نحو قوله تعالى:{رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى}[آل عمران: ٣٦] قالتها تحسّرًا وتحزّنًا إلى ربها (يا رب) بحذف ياء المتكلم هذه (نطفة) قال ابن الأثير: هي الماء القليل الكثير، والمراد بها هنا المني، وللقابسي نطفة بالنصب على إضمار فعل أي خلقت يا رب نطفة أو صارت نطفة (يا رب) هذه (علقة) قطعة من الدم جامدة (يا رب) هذه (مضغة) قطعة من اللحم وهي في الأصل قدر ما يمضع، ويجوز نصب الاسمين عطفًا على السابق المنصوب بالفعل المقدر بين قول الملك يا رب نطفة وقوله علقة أربعون يومًا كقوله: يا رب مضغة لا في وقت واحد وإلاّ تكون النطفة علقة مضغة في ساعة واحدة ولا يخفى ما فيه، (فإذا أراد) الله (أن يقضي) وللأصيلي فإذا أراد الله أن يقضي أي يتم (خلقه) أي ما في الرحم من النطفة التي صارت علقة ثم مضغة، وهذا هو المراد بقوله:{مخلقة وغير مخلقة} وقد علم بالضرورة أنه لم يرد خلقه تكون غير مخلقة وهذا وجه مناسبة الحديث للترجمة، وقد صرّح بذلك في حديث رواه الطبراني بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود قال: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكًا فقال: يا رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا. (قال) الملك (أذكر) هو (أم أُنثى) أو التقدير أهو ذكر أم أنثى؟ وسوّغ الابتداء به وإن كان نكرة لتخصيصه بثبوت أحد الأمرين إذ السؤال فيه عن التعيين، وللأصيلي أذكر أم أنثى بتقدير أتخلق ذكرًا أم أُنثى؟ (شقي) أي أعاصٍ لك هو (أم سعيد) مطيع وحذف أداة الاستفهام لدلالة السابق وللأصيلي
شقيًّا أم سعيدًا؟ (فما الرزق) أي الذي ينتفع به؟ (و) ما (الأجل) أي وقت الموت أو مدة الحياة إلى الموت لأنه يطلق على المدة وعلى غايتها، وفي رواية أبي ذر: وما الأجل بزيادة ما كما وقع في الشرح (فيكتب) على صيغة المجهول أي المذكور، والكتابة إما حقيقة أو مجاز عن التقدير، وللأصيلي قال: فيكتب (في بطن أمه) ظرف لقوله يكتب أو أن الشخص مكتوب عليه في ذلك الظرف، وقد روي أنها تكتب على جبهته.
ورواة هذا الحديث الأربعة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا فى خلق آدم وفي القدر ومسلم فيه.
١٨ - باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟
(باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة) ليس مراده الكيفية التي يراد بها الصفة بل بيان صحة إهلال الحائض.
وبه قال:(حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(خرجنا مع النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة (في حجة الوداع) لخمس بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة (فمنا من أهلَّ) أي أحرم (بعمرة ومنا من أهلَّ بحج) وفي رواية أبي ذر عن المستملي بحجة (فقدمنا مكة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أحرم بعمرة ولم يهدِ) بضم المثناة التحتية من الإهداء (فليحلل) بكسر اللام من الثلاثي أي قبل يوم النحر حتى يحرم بالحج، (ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى يحل) بفتح المثناة وكسر الحاء والضم في لام الأولى والفتح في لام الأخرى (بنحر هديه) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حتى يحل نحر هديه أي يوم العيد لكونه أدخل الحج فيصير قارنًا ولا يكون متمتعًا فلا يحل، وأما توقفه على دخول يوم النحر مع إمكان التحلل بعد نصف ليلته فليس التحلل الكلي، أما التحلل الكلي المبيح للجماع فهو في يوم
النحر، (ومن أهلَّ بحج) مفردًا ولأبي ذر وعزاها في الفتح للمستملي والحموي ومن أهلَّ بحجة (فليتم حجه) سواء كان معه هدي أم لا. (قالت) عائشة رضي الله عنها: (فحضت) أي بسرف (فلم أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة) برفع يوم لأن كان تامة (ولم أهلل) بضم الهمزة وكسر اللام الأولى