والسلام، ووقع عند الدارقطني والحاكم ما يؤيده ولفظه: إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك بواو العطف، وقد استدلّ بظاهر هذا الحديث على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرًا من جهة الحل البعيدة وهذا ليس بشيء لأن الجعرانة والحديبية مسافتهما إلى مكة واحدة ستة فراسخ والتنعيم مسافته إليها فرسخ واحد فهو أقرب إليها منهما، وقد قال الشافعي: أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحرم منها، ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة قال: وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره كان أحب إلي اهـ.
وبالسند قال:(حدّثنا أبو نعيم) الفضيل بن دكين قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) بالفاء الأنصاري المدني البخاري يقال له ابن صفيرًا (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا) حال كوننا (مهلين) ولأبي ذر: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهلين (بالحج في أشهر الحج وحرم الحج) بضم الحاء والراء الحالات والأماكن والأوقات التي للحج (فنزلنا سرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء وحذف الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: بسرف، ولابن عساكر: فنزلنا منزلاً (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه):
(من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها) أي حجته (عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا) يفسخ الحج إلى العمرة وفي غير هذه الرواية أن قوله عليه الصلاة والسلام لهم ذلك كان بعد دخوله مكة فيحتمل التعدد والعزيمة وقعت أخيرًا كما مرّ قريبًا (وكان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجال) بالجر عطفًا على المجرور (من أصحابه ذوي قوة الهدي) بالرفع اسم كان (فلم تكن لهم عمرة) مستقلة لأنهم كانوا قارنين وعمرة بالنصب خبر كان (فدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم التروية كما في مسلم (وأنا أبكي) جملة حالية (فقال: (ما يبكيك)؟ قلت سمعتك تقول لأصحابك ما قلت فمنعت العمرة) بضم الميم مبنيًا للمفعول والعمرة نصب بنزع الخافض أي من العمرة (قال: (وما شأنك)؟ قلت: لا أصلي) لمانع الحيض وهو من ألطف الكنايات (قال): (فلا يضرك) بضم المعجمة وتشديد الراء أو بكسر الضاد وسكون الراء ولم يضبط ذلك في اليونينية ولا فرعها (أنت من بنات آدم كتب عليك) بضم كاف كتب مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر: كتب الله عليك (ما كتب عليهن) من الحيض وغيره (فكوني في حجتك) بتاء التأنيث، ولأبي الوقت: في حجك. وعزاها في الفتح لأبي ذر (عسى الله أن يرزقكها) أي العمرة (قالت: فكنت) في حجي كما أمرني عليه الصلاة والسلام (حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب) وهو الأبطح أي بعد أن طهرت من الحيض وطافت للإفاضة (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق (فقال اخرج بأختك الحرم) أي من الحرم فنصبه على نزع الخافض. قال في الفتح وللكشميهني: من الحرم قال وهو أوضح والمراد الإخراج من أرض الحرم إلى الحل (فلتهل بعمرة) من التنعيم (ثم أفرغا من طوافكما) فارجعا فإني (أنتظركما هاهنا) يعني المحصب قالت عائشة (فأتينا) أي بعد أن فرغنا من الاعتمار وتحللنا (في جوف الليل) إلى المحصب، وللإسماعيلي من آخر الليل وهو أوفق ببقية الروايات، وهذا لا تخالفه الرواية السابقة فلقيته مصعدًا وأنا منهبطة أو العكس لأنه كان خرج بعد ذهابها ليطوف للوداع فلقيها وهو صادر بعد الطواف وهي راحلة لطواف عمرتهما، ثم لقيته بعد ذلك وهو بمنزله بالمحصب. ويحتمل أن لقاءه لها كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه كره أن يقتدي الناس بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على
ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها، فيحتمل أن يكون لقاؤه لها في هذا الرحيل وأنه المكان الذي عينه لها في رواية الأسود حيث قال لها: موعدك مكان كذا وكذا قال في الفتح وهذا تأويل حسن.