للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن يحلف كاذبًا ليذهب بمال أحد ويأتي إن شاء الله تعالى عدّ الكبائر ومباحثها في كتاب الحدود بعون الله تعالى.

والحديث أخرجه أيضًا في الدّيات واستتابة المرتدين والترمذي في التفسير والنسائي فيه وفي القصاص والمحاربة.

١٧ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٧] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [النحل: ٩٥] {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل: ٩١].

(باب قول الله تعالى) في سورة آل عمران: ({إن الذين يشترون}) يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدون عليه من الأيمان بالرسول ({وأيمانهم}) وبما حلفوا به من قولهم لنؤمنن به ولننصرنه ({ثمنًا قليلاً}) متاع الدنيا ({أولئك لا خلاق لهم}) لا نصيب لهم ({في الآخرة}) ونعيمها وهذا مشروط بالإجماع بعدم التوبة فإن تاب سقط الوعيد ({ولا يكلمهم الله}) كلامًا يسرهم ({ولا ينظر إليهم يوم القيامة}) نظر رحمة ولا ينيلهم خيرًا وليس المراد منه النظر بتقليب الحدقة إلى المرئي تعالى الله عن ذلك ({ولا يزكيهم}) ولا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة أو لا يثني عليهم كما يثني على أوليائه كثناء المزكي للشاهد والتزكية من الله قد تكون على ألسنة الملائكة كما قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [الرعد: ٢٤] وقد تكون بغير واسطة إما في الدنيا كما قال تعالى {التائبون العابدون} [التوبة: ١١٢] وأما في الآخرة كما قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: ٥٨].

ثم لما بين تعالى حرمانهم مما ذكر من الثواب بين كونهم في العقاب فقال: ({ولهم عذاب أليم}) [آل عمران: ٧٧] مؤلم كذا في رواية كريمة سياق الآية إلى آخرها وقال في رواية أبي ذر: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم} الآية. واستفيد من الآية أن العهد غير اليمين لعطف العهد عليه.

(وقوله) ولأبي ذر وقول الله تعالى (جل ذكره {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}) فعلة بمعنى المفعولة كالقبضة والغرفة أي لا تجعلوه معرضًا للحلف من قولهم فلان عرضة لكذا أي معرّض. قال كعب:

من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول

وقال حسان:

هم الأنصار عرضتها اللقاء

وهما بمعنى معرّض لكذا أو اسم لما تعرضه على الشيء فيكون من عرض العود على الإناء

فيعترض دونه ويصير حاجزًا ومانعًا، والمعنى على هذا النهي أن يحلفوا بالله على أنهم لا يبرون ولا يتقون ويقولون لا نقدر نفعل ذلك لأجل حلفنا أو من العرضة وهي القوّة والشدة يقال جمل عرضة للسفر أي قويّ عليه وقال الزبير:

فهذي لأيام الحروب وهذه ... للهوى وهذي عرضة لارتحالنا

أي قوّة وعدة أي لا تجعلوا اليمين بالله قوّة لأنفسكم في الامتناع من البر وقوله ({أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}) عطف بيان لأيمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإِصلاح بين الناس واللام تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخًا، ويجوز أن تكون اللام تعليلية ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم عرضة لأن تبروا وفي ذلك نهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به، وذلك لأنه من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة له يقول الرجل: قد جعلتني عرضة للومك. قال الشاعر:

ولا تجعليني عرضة للوائم

وقد ذم الله من أكثر الحلف بقوله {ولا تطع كل حلاف مهين} وقال تعالى {واحفظوا أيمانكم} [المائدة: ٨٩] وكان الخلف يمدحون بالإقلال من الحلف والحكمة في الأمر بتقليل الإيمان أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع فلا يؤمن من إقدامه على الإيمان الكاذبة فيختل ما هو الغرض الأصلي من اليمين، وأيضًا كلما كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله تعالى كان أكمل في العبودية ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعظم وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية ({والله سميع}) لأيمانكم ({عليم}) [البقرة: ٢٢٤] بنياتكم، وسقط لأبي ذر من قوله (أن تبروا) إلى آخر الآية.

(وقوله جل

<<  <  ج: ص:  >  >>