رسلك) بكسر الراء أي على هينتك (حتى تنزل بساحتهم) بفنائهم (ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم) من حق الله فيه (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً) واحدًا (خير لك من أن تكون لك حُمر النعم) فتتصدق بها، وحمر: بضم الحاء وسكون الميم من ألوان الإبل المحمودة وهي أنفسها وخيّارها يضرب بها المثل في نفاسة الشيء وأن من لأن يهدي الله مصدرية في محل رفع على الابتداء والخبر قوله "خير لك" وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استحسن قول عليّ أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا واستحمده على ما قصده من مقاتلته إياهم حتى يكونوا مهتدين إعلاء لدين الله تعالى. ومن ثم حثّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما نواه بقوله: "فوالله لأن يهدي الله بك" إلخ ...
وهذا موضع الترجمة وتأتي مباحثه في المغازي إن شاء الله تعالى.
١٤٤ - باب الأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ
(باب الأسارى في السلاسل) بضم همزة الأسارى.
٣٠١٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف المثناة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(عجب الله من قوم يدخلون الجنة) أي وكانوا في الدنيا (في السلاسل) حتى دخلوا في الإسلام وبهذا التقدير يكون المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق. ويقع التطابق بين الترجمة والحديث، ويؤيد أن المراد الحقيقة ما عند المؤلّف في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس} [آل عمران: ١١٠]. قال: خير الناس الناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام وحمله جماعة على المجاز فقال المهلب: المعنى يدخلون في الإسلام مكرهين وسمى الإسلام بالجنة لأنه سببها. وقال ابن الجوزي: معناه أنهم أُسروا وقيدوا فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعًا فدخلوا الجنة فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول فكأنه أطلق على الإكراه التسلسل، ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب. وقال الكرماني وتبعه البرماوي: لعلهم المسلمون الذين هم أسارى في أيدي الكفار فيموتون أو يقتلون على هذه الحالة فيحشرون عليها ويدخلون الجنة كذلك اهـ.
١٤٥ - باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
(باب فضل من أسلم من أهل الكتابين) التوراة والإنجيل.
٣٠١١ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَىٍّ أَبُو حَسَنٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ تَأْدِيبَهَا، فَيَتَزَوَّجُهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَهُ أَجْرَانِ. وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَأَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَىْءٍ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي أَهْوَنَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) قال: (حدّثنا سفيان بن عيينة) قال: (حدّثنا صالح بن حي) ضدّ الميت لقب له وهو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان وكنيته (أبو الحسن) بفتح الحاء والسين المهملتين (قال): أي صالح (سمعت النبي) عامر بن شراحيل (يقول: حدّثني) بالإفراد (أبو بردة) بضم الموحدة الحرث (أنه سمع أباه) عبد الله أبا موسى بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ثلاثة) من الرجال مبتدأ خبره قوله (يؤتون أجرهم مرتين. الرجل تكون له الأمة) برفع الرجل بدلاً من ثلاثة بدل تفصيل أو بدل كل بالنظر إلى المجموع أو الرجل مبتدأ محذوف تقديره أولهم أو الأول الرجل (فيعلمها) ما يجب تعليمه من الدين (فيحسن) بفاء العطف ولأبي ذر: ويحسن (تعليمها ويؤدبها) لتتخلق بالأخلاق الحميدة (فيحسن أدبها) من غير عنف ولا ضرب بل بالرفق وإنما غاير بينه وبين التعليم وهو داخل فيه لتعلقه بالمروءات والتعليم بالشرعيات أي الأول عرفي والثاني شرعي والأول دنيوي والثاني ديني (ثم يعتفها فيتزوجها) بعد أن يصدقها (فله أجران) أجر العتق وأجر التزويج وإنما اعتبرهما لأنهما الخاصان بالإماء دون السابقين (ومؤمن أهل الكتاب) اليهودي والنصراني (الذي كان مؤمنًا) بنبيّه موسى وعيسى (ثم آمن بالنبي) محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في عهد بعثته أو بعدها إلى يوم القيامة جزم الكرماني، وتبعه العيني بالأول معللاً بأن نبيه بعد البعثة إنما هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باعتبار عموم بعثته عليه الصلاة والسلام ولا يخفى ما فيه فإن بعثته عليه الصلاة والسلام في عهده وبعده عامة لا فرق بينهما، وجزم بالثاني الإمام البلقيني وتبعه