والشيء بالشيء يذكر، فيخاف من هذا كما يخاف من هذا، فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة الآخرة. قاله ابن المنير في الحاشية.
فإن قلت: هل كان ﵊ يعلم ذلك ولا يتعوّذ؟ أو كان يعوذّ ولم تشعر به عائشة؟ أو سمع ذلك عن اليهودية فتعوّذ؟.
أجاب التوربشتي: بأن الطحاوي نقل: أنه، ﵊، سمع اليهودية بذلك، فارتاع ثم أوحي إليه بعد ذلك بفتنة القبر، أو: أنه ﵊، لما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية، وسألته عنه، أعلن به بعد ما كان يسر، ليرسخ ذلك في عقائد أمته، ويكونوا منه على خيفة. اهـ.
١٠٥٠ - "ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى. فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ ظَهْرَانَىِ الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، وَانْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
(ثم ركب رسول الله ﷺ ذات غداة مركبًا) بفتح الكاف، وذات غداة هو من إضافة المسمى إلى
اسمه، أو: ذات، زائدة (فخسفت الشمس) بالخاء والسين المفتوحتين (فرجع ضحى) بضم الضاد المعجمة مقصورًا منوّنًا ارتفاع النهار، ولا دلالة فيه على أنها لا تفعل في وقت الكراهة، لأن صلاته لها في الضحى وقع اتفاقًا فلا يدل على منع ما سواه (فمر رسول الله ﷺ بين ظهراني الحجر) بفتح الظاء المعجمة والنون على التثنية، والحجر بضم الحاء المهملة وفتح الجيم، جمع: حجرة بسكون الجيم. والألف والنون زائدتان، أي: ظهر الحجر، أو الكلمة كلها زائدة (ثم قام يصلّي) صلاة الكسوف (وقام الناس وراءه) يصلون (فقام قيامًا طويلاً) قرأ فيه نحو سورة البقرة (ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحو مائة آية (ثم رفع) من الركوع (فقام قيامًا طويلاً) نحو آل عمران، ولأبي ذر، في نسخة، والأصيلي: ثم قام قيامًا. وسقط في رواية ابن عساكر: ثم رفع (وهو) أي: القيام (دون القيام) وفي نسخة: دون قيام (الأوّل، ثم ركع) ثانيًا (ركوعًا طويلاً) نحو ثمانين آية (وهو دون الركوع الأوّل، ثم رفع) منه (فسجد) بفاء التعقيب، وهو يدل على عدم إطالة الاعتدال بعد الركوع الثاني، وتقدم (ثم قام) من سجوده، ولأبي ذر: ثم رفع (فقام قيامًا طويلاً) نحو سورة النساء (وهو دون القيام الأوّل، ثم رجع) ثالثًا (ركوعًا طويلاً) نحو سبعين آية، (وهو دون الركوع الأوّل، ثم رفع فسجد) ظاهره: أن الثانية لم يقم فيها قيامين، ولا ركع ركوعين. والظاهر أن الراوي اختصره.
نعم، في فرع اليونينية، كهي، مما رقم عليه علامة السقوط.
(ثم قام) أي من الركوع، ولأبي ذر ثم رفع فقام قيامًا طويلاً نحوًا من المائدة (وهو دون القيام الأوّل).
اختلف هل المراد به الأوّل من الثانية، أو يركع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله؟ ومن ثم اختلف في القيام الأوّل من الثانية، وركوعه. ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في: باب الركعة الأولى في الكسوف أطول.
(ثم ركع) رابعًا (ركوعًا طويلاً) نحو خمسين آية (وهو دون الركوع الأوّل، ثم رفع فسجد) بفاء التعقيب أيضًا.
(وانصرف) من صلاته بعد التشهد بالسلام (فقال) ﵊ (ما شاء الله أن يقول)
مما ذكر في حديث عروة، من أمره لهم بالصلاة والصدقة والذكر، وغير ذلك (ثم أمرهم أن يتعوّذوا من عذاب القبر) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى.
وفي الحديث: أن اليهودية كانت عارفة بعذاب القبر، ولعله من كونه فى التوراة، أو شيء من كتبهم؟ وإن عذاب القبر حق يجب الإيمان به.
وقد دل القرآن في مواضع على أنه حق، فخرّج ابن حبان في صحيحه، من حديث أبي هريرة، عنه ﷺ في قوله ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: ١٢٤] قال: عذاب القبر. وفي الترمذي، عن علي: قال ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر: ١ - ٢].
وقال قتادة والربيع بن أنس في قوله تعالى: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] أن أحدهما في الدنيا والآخر عذاب القبر.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الجنائز، وكذا مسلم والنسائي.
٨ - باب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ
(باب طول السجود في) صلاة (الكسوف) أراد به الرد على من نفى تطويله.
١٠٥١ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نُودِيَ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ. فَرَكَعَ النَّبِيُّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ. قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة والموحدة بينهما مثناة تحتية ساكنة