للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وابن عساكر: شهر رمضان (فتحت) بتشديد التاء ويجوز تخفيفها (أبواب السماء)، قيل هذا من تصرف الرواة، والأصل أبواب الجنة، وكذا وقع في باب: صفة إبليس وجنوده من بدء الخلق بلفظ أبواب الجنة في غير رواية أبي ذر وله أبواب السماء. وقال ابن بطال: المراد من السماء الجنة بقرينة قوله: (وغلقت أبواب جهنم)، يحتمل أن يكون الفتح على ظاهره وحقيقته. وقال التوربشتي: هو كناية عن تنزيل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم عبارة عن تنزيه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات.

فإن قيل: ما منعكم أن تحملوه على ظاهر المعنى؟ قلنا: لأنه ذكر على سبيل المنّ على الصوّام وإتمام النعمة عليهم فيما أمروا به وندبوا إليه حتى صار الجنان في هذا الشهر كأن أبوابها فتحت ونعيمها هيئ والنيران كأن أبوابها غلقت وأنكالها عطلت، وإذا ذهبنا إلى الظاهر لم تقع المنة موقعها وتخلّوا عن الفائدة لأن الإنسان ما دام في هذه الدار فإنه غير ميسر لدخول إحدى الدارين، ورجح القرطبي حمله على ظاهره إذ لا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره. قال الطيبي: فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأنه من الله بمنزلة عظيمة ويؤيده حديث عمر أن الجنة لتزخرف لرمضان الحديث.

(وسلسلت الشياطين) أي شدت بالسلاسل حقيقة والمراد مسترقو السمع منهم وإن تسلسلهم يقع في أيام رمضان دون لياليه لأنهم كانوا منعوا زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ أو هو مجاز على العموم، والمراد أنهم لا يصلون من إفساد المسلمين إلى ما يصلون إليه في غيره لاشتغالهم فيه بالصيام الذي فيه قمع الشيطان وإن وقع شيء من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى غيره وهذا أمر محسوس.

١٩٠٠ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". وَقَالَ غَيْرُهُ عَنِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ وَيُونُسُ "لِهِلَالِ رَمَضَانَ". [الحديث ١٩٠٠ - طرفاه في: ١٩٠٦، ١٩٠٧].

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) القعنبي (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم، أن) ولأبوي ذر والوقت: سالم بن عبد الله بن عمر أن (ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):

(إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا). الضمير راجع إلى الهلال وإن لم يسبق له ذكر لدلالة السياق عليه، ويأتي التصريح به إن شاء الله تعالى في الرواية المعلقة في هذا الباب وبعده في الموصول (فإن غمّ عليكم) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم مبنيًّا للمفعول من غممت الشيء إذا غطيته وفيه ضمير الهلال أي غطي الهلال بغيم (فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال ويجوز كسرها أي قدّروا له تمام العدد ثلاثين يومًا لأنه من التقدير.

(وقال غيره) أي غير يحيى بن بكير وأراد به عبد الله بن صالح كاتب الليث (عن الليث): بن سعد قال: (حدثني) بالإفراد (عقيل) هو ابن خالد مما رواه الإسماعيلي (ويونس) بن يزيد مما أورده الذهلي في الزهريات أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لهلال رمضان) إذا رأيتموه فصوموا و (إذا رأيتموه فأفطروا) ..

ومراده أن عقيلاً ويونس أظهرًا ما كان مضمرًا.

٦ - باب مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً

وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ».

(باب من صام رمضان) حال كونه صيامه (إيمانًا) تصديقًا بوجوبه (واحتسابًا) طلبًا للأجر (ونية) عطف على احتسابًا لأن الصوم إنما يكون لأجل التقرب إلى الله تعالى والنية شرط في وقوعه قربة.

(وقالت عائشة رضي الله عنها) مما وصله المؤلّف تامًا في أوائل البيوع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بلفظ يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ثم (يبعثون على نياتهم) يعني في الآخرة لأنه كان في الجيش المذكور المكره والمختار فإذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره.

١٩٠١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وبالسند قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي القصاب البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن

<<  <  ج: ص:  >  >>