الفعل وهو العفو أو من قتلهم لأبيه (بقية) أي من حزن على أبيه ولأبي ذر والأصيلي بقية خير أي من دعاء واستغفار لقاتل أبيه (حتى لحق بالله) عز وجل.
وعند السراج في تاريخه من طريق عكرمة أن والد حذيفة قتل يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجاله ثقات مع إرساله، وفي المسألة مذاهب فقيل تجب ديته في بيت المال لأنه مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين، وقيل تجب على جميع من حضر لأنه مات بفعلهم فلا يتعداهم إلى غيرهم. وقال الشافعي: يقال لوليه ادّع على من شئت واحلف فإن حلفت استحقيت الدّية، وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب. وقال مالك دمه هدر لأنه إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد.
١٧ - باب إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قتل) شخص (نفسه خطأ فلا دية له) قال الإسماعيلي ولا إذا قتلها عمدًا أي فلا مفهوم لقوله خطأ. قال في الفتح: والذي يظهر أن البخاري إنما قيد بالخطأ لأنه على الخلاف.
وبه قال:(حدّثنا المكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي الحافظ قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مولى سلمة بن الأكوع (عن) مولاه (سلمة) بن الأكوع أبي مسلم واسم الأكوع سنان بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر) قرية كانت لليهود على نحو أربع مراحل من المدينة (فقال رجل منهم): هو أسيد بن حضير (أسمعنا) بكسر الميم (يا عامر) هو ابن سنان عم سلمة بن الأكوع (من هنيهاتك) بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية بعدها هاء فألف ففوقية فكاف أراجيزك ولابن عسكر وأبي ذر عن الكشميهني من هنياتك بتحتية مشددة بدل الهاء الثانية تصغير هناتك واحدة هناة وتقلب الياء هاء كما في الرواية الأولى (فحدا) عامر (بهم) أي ساقهم منشدًا للأراجيز يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
إلى آخر الأبيات.
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من السائق؟ قالوا) هو (عامر. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رحمه الله قالوا: يا رسول الله هلا أمتعتنا به؟) بهمزة مفتوحة وسكون الميم بحياة عامر قبل إسراع الموت له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال مثل ذلك لأحد ولا استغفر لإنسان قط يخصه بالاستغفار عند القتال إلا استشهد، وفي غزوة خيبر قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به، ووقع في مسلم أن هذا الرجل هو عمر بن الخطاب (فأصيب) عامر (صبيحة ليلته) تلك وذلك أن سيفه كان قصيرًا فتناول به يهوديًا ليضربه به فرجع ذبابه فأصاب ركبته، ولم يذكر في هذه الطريق كيفية قتله على عادته -رحمه الله- في ذكر الترجمة بالحكم، ويكون قد أورد ما يدل على ذلك صريحًا في مكان آخر حرصًا على عدم التكرار بغير فائدة وليبعث الطالب على تتبع طرق الحديث والاستكثار منها ليتمكن من الاستنباط (فقال القوم): ومنهم أسيد بن حضير كما عند المؤلّف في الأدب (حبط عمله) بكسر الموحدة أي بطل لأنه (قتل نفسه فلما رجعت وهم يتحدثون أن عامرًا حبط عمله) قال سلمة (فجئت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا نبي الله) ولأبي ذر يا رسول الله (فداك) بفتح الفاء (أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كذب من قالها) أي كلمة حبط عمله (إن له لأجرين) أجر الجهد في الطاعة وأجر الجهاد في سبيل الله واللام في لأجرين للتأكيد (اثنين) تأكيد لأجرين (إنه لجاهد) مرتكب للمشقة في الخير (مجاهد) في سبيل الله عز وجل (وأي قتل) بفتح القاف وسكون الفوقية (يزيده عليه) أي يزيد الأجر على أجره، ولأبي ذر عن الكشميهني: وأي قتيل بكسر الفوقية وزيادة تحتية ساكنة يزيد عليه بإسقاط الهاء من يزيده، وللأصيلي وأي قتيل يزيده.
وهذا الحديث حجة لجمهور أن من قتل نفسه لا يجب فيه شيء إذ لم ينقل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوجب في هذه القصة شيئًا وقال الكرماني: والظاهر أن قوله أي في الترجمة فلا دية له لا وجه له