الناس إليه بالسكوت فلم يقبل، وأعاد الكلام، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الثالثة: "ما أعددت لها"؟ قال: حبّ الله وحب رسوله. قال: "إنك مع مَن أحببت". وجه الدلالة منه أنه لم ينكر عليه الكلام، ولم يبين له وجه السكوت.
والأمر في الآية للندب، ومعنى: لغوت، تركت الأدب، جمعًا بين الأدلة.
وقال أبو حنيفة: وخروج الإمام قاطع للصلاة والكلام، وأجاز صاحباه إلى كلام الإمام له، قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا خرج الإمام لا صلاة ولا كلام". ولهما، قوله عليه الصلاة والسلام: "خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام".
وقال المالكية والحنابلة أيضًا بالمنع، لحديث: إذا قلت لصاحبك أنصت. وأجابوا عن حديث أنس السابق، وما في معناه، بأنه غير محل النزاع، لأن محل النزاع الإنصات والإمام يخطب، وأما سؤال الإمام وجوابه فهو قاطع لكلامه، فيخرج عن ذلك.
وقد بنى بعضهم القولين على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين، وبه صرّح الحنابلة، وعزوه لنص إمامهم، أو هي صلاة على خيالها، لقول عمر رضي الله عنه: الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد خاب من افترى. رواه الإمام أحمد وغيره، وهو: حديث حسن كما قاله في المجموع. فعلى الأول يحرم لا على الثاني.
ومن ثم، أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام ولو كان به صمم، أو بعد عن الإمام بحيث لا يسمع.
قال المالكية: يحرم عليه أيضًا لعموم وجوب الإنصات، ولما روي عن عثمان، رضي الله عنه، من كان قريبًا استمع وأنصت، ومن كان بعيدًا افترى.
وقال الحنفية، الأحوط السكوت.
وأما الكلام قبل الخطبة وبعدها، وفي جلوسه بينهما، وللداخل في أثنائها ما لم يجلس، فعند الشافعية والحنابلة وأبي يوسف: يجوز من غير كراهة.
وقال المالكية: يحرم في جلوسه بينهما، لا في جلوسه قبل الشروع فيها، ولو سلم داخل على مستمع الخطبة وجب الرد عليه، بناء على أن الإنصات سُنّة، كما سبق. وصرّح في المجموع وغيره مع ذلك بكراهة السلام، ونقلها عن النص وغيره.
لكن إذا قلنا: لا يشرع السلام فكيف يجب الرد؟
وفي المدوّنة: لا يسلم الداخل، وإن سلم فلا يردّ عليه لأنه سكوت واجب، فلا يقطع بسلام ولا رده كالسكوت في الصلاة، وكذا قال الحنفية.
٣٢ - باب إِذَا رَأَى الإِمَامُ رَجُلاً جَاءَ وَهْوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا رأى الإمام رجلاً جاء) في محل نصب صفة، لرجلاً، (وهو يخطب) جملة اسمية حالية وجواب، إذا، (أمره أن يصلّي) أي بأن يصلّي، وأن مصدرية، أي أمره بصلاة (ركعتين).
٩٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ لَا. قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ". [الحديث ٩٣٠ - طرفاه في: ٩٣١، ١١٦٦].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، وسقط في رواية ابن عساكر: ابن عبد الله، (قال: جاء رجل) هو: سليك، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة التحتية وبالكاف الغطفاني، بفتحات (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس يوم الجمعة) سقط لفظ الناس، عند أبي ذر، وثبت عنده: لأبي الهيثم، في نسخة، وزاد مسلم، عن الليث، عن أبي الزبير عن جابر، فقعد سليك قبل أن يصلّي (فقال) له عليه الصلاة والسلام.
(أصليت) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي، وابن عساكر. فقال: صليت (يا فلان)؟
(قال) ولأبي ذر فقال: (لا. قال):
(قم فاركع). زاد المستملي والأصيلي ركعتين.
وزاد في رواية الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عند مسلم، وتجوز فيهما. ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما".
واستدلّ به الشافعية والحنابلة على أن الداخل للمسجد والخطيب يخطب على المنبر، يندب له صلاة تحية المسجد، لا في آخر الخطبة، ويخففها وجوبًا ليسمع الخطبة.
قال الزركشي: والمراد بالتخفيف، فيما ذكر، الاقتصار على الواجبات، لا الإسراع. قال: ويدل له ما ذكروه من أنه إذا ضاق الوقت، وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات. اهـ.
ومنع منهما المالكية والحنفية لحديث ابن ماجة أنه عليه الصلاة والسلام قال للذي دخل المسجد يتخطى رقاب الناس: "أجلس فقد آذيت".
وأجابوا عن قصة سليك: بأنها واقعة عين لا عموم لها، فتختص بسليك؛ ويؤيد ذلك حديث أبي سعيد، المروي في السنن، أنه عليه الصلاة والسلام قال له: "صل ركعتين". وحض على