للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأوّل إذ إنه أخبر من أراد به خيرًا يفقهه في الدين، وظاهره يدل على الثاني لأن القسمة حقيقية في الأموال. نعم يتوجه السؤال عن وجه المناسبة بين اللاحق والسابق، وقد يجاب بأن مورد الحديث كان عند قسمة مال وخصص عليه الصلاة والسلام بعضهم بزيادة لمقتض اقتضاه فتعرض بعض من خفي عليه الحكمة، فردّ عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: "من يرد الله به خيرًا" الخ أي من أراد الله به الخير يزيد له في فهمه في أمور الشرع فلا يتعرض لأمر ليس على وفق خاطره إذ الأمر كله لله وهو الذي يعطي ويمنع ويزيد وينقص، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاسم بأمر الله ليس بمعطٍ حتى ينسب إليه الزيادة والنقصان، واستشكل الحصر بإنما مع أنه عليه الصلاة والسلام له صفات أخرى سوى قاسم. وأجيب بأن هذا ورد ردًّا على من اعتقد أنه عليه الصلاة والسلام يعطي ويقسم فلا ينفي إلا ما اعتقده السامع لا كل صفة من الصفات وفيه حذف المفعول.

(ولن تزال هذه الأمة قائمة) بالنصب خبر تزال (على أمر الله) على الدين الحق (لا يضرهم من) أي الذي (خالفهم حتى يأتي أمر الله). وحتى غاية لقوله لن تزال، واستشكل بأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها إذ يلزم منه أن لا تكون هذه الأمة يوم القيامة على الحق. وأجيب: بأن المراد من قوله: أمر الله التكاليف وهي معدومة فيها، أو المراد بالغاية هنا تأكيد التأبيد على حدّ قوله تعالى: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْض} [هود: ١٠٧] أو هو غاية كقوله: لا يضرهم لأنه أقرب، ويكون المعنى حتى يأتي بلاء الله فيضرهم حينئذ فيكون ما بعدها مخالفًا لما قبلها.

١٤ - باب الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ

(باب الفهم) بإسكان الهاء وفتحها لغتان (في العلم) أي المعلوم أي إدراك المعلومات، وإلا فالفهم نفس العلم كما فسّره به الجوهري. كذا قاله الحافظ ابن حجر والبرماوي تبعًا للكرماني، وعورض بأن العلم عبارة عن الإدراك الجلي، والفهم جودة الذهن، والذهن قوّة تقتنص بها الصور والمعاني وتشمل الإدراكات العقلية والحسية. وقال الليث: يقال فهمت الشيء إذا عقلته وعرفته، ويقال: فهم بتسكين الهاء وفتحها وهذا قد فسر الفهم بالمعرفة وهو عين العلم.

٧٢ - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَاّ حَدِيثًا وَاحِدًا قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هِيَ النَّخْلَةُ».

وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا علي) وفي رواية أبي ذر بن عبد الله أي المديني أعلم أهل زمانه بهذا الشأن، المتوفى فيما قاله المؤلف لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال، قال لي ابن أبي نجيح) بفتح النون هو عبد الله واسم أبيه يسار القدري الموثق من أبي زرعة المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة. وفي مسند الحميدي عن سفيان حدّثني ابن أبي نجيح (عن مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة وقيل جبير مصغر المخزومي الإمام المتفق على جلالته وتوثيقه، المتوفى سنة مائة وليس له في هذا الكتاب إلا هذا (قال: صحبت ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (إلى المدينة) النبوية (فلم أسمعه) حال كونه (يحدّث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا حديثًا واحدًا قال):

(كنا) ولغير أبي الوقت واحدًا كنا (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتي) بضم الهمزة (بجمار) بضم الجيم وتشديد الميم وهو شحم النخيل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن من الشجر شجرة مثلها كمثل) بفتح الميم والمثلثة فيهما أي صفتها العجيبة كصفة (المسلم) قال ابن عمر: (فأردت أن أقول) في جواب قول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدّثوني ما هي كما صرّح به في غير هذا الرواية (هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكت) تعظيمًا للأكابر (قال) وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي النخلة). فإن قلت: ما وجه مناسبة الحديث للترجمة؟ أجيب: من كون ابن عمر لما ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسألة عند إحضار الجمار إليه فهم أن المسؤول عنه النخلة بقرينة الإتيان بجمارها.

١٥ - باب الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ

قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودوا. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: وَبَعْدَ أَنْ تَسَوَّدُوا. وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كِبَرِ سِنِّهِم.

هذا (باب الاغتباط في العلم والحكمة) من باب العطف التفسيري، أو من باب عطف الخاص على العامّ. والاغتباط بالغين المعجمة افتعال من الغبطة وهي تمنِّي مثل ما للمغبوط من غير زواله عنه بخلاف الحسد فإنه مع تمني الزوال عنه. (قال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) فيما رواه ابن عبد البر بسند صحيح من حديث ابن سيرين عن

<<  <  ج: ص:  >  >>