مسافة القصر عندنا كمن مساكنهم بها، واعتبرت المسافة من الحرم لأن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: ١٤٤] فهو نفس الكعبة. واعتبرها الرافعي في الحرر من مكة. قال في المهمات: وبه الفتوى فقد نقله في التقريب عن نص الإملاء، وأن الشافعي أيّده أن اعتبارها من الحرم يؤدي إلى إدخال البعيد عن مكة وإخراج القريب منها لاختلاف المواقيت اهـ.
والقريب من الشيء يقال إنه حاضره قال الله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} [الأعراف: ١٦٣] أي قريبة منه. وقال في المدونة: وليس على أهل مكة القرية بعينها وأهل ذي طوى إذا قرنوا أو تمتعوا دم قران ولا متعة. قال ابن حبيب عن مالك وأصحابه: ومن كان دون مسافة القصر من مكة حكمه حكم المكي، وقيل: إن من دون المواقيت كالمكي ولم يعزه اللخمي قاله بهرام. وقال الحنفية: هم أهل المواقيت ومن دونها.
(وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى) زاد أبو بكر في كتابه أي في الآية التي بعد آية التمتع وهي قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: ١٩٧] (شوال وذو القعدة وذو الحجة) من باب إقامة
البعض مقام الكل أو إطلاقًا للجمع على ما فوق الواحد أي تسع ذي الحجة بليلة النحر عندنا، والعشر عند أبي حنيفة، وذو الحجة كله عند مالك وبناء الخلاف أن المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله ومناسكه أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقًا، فإن مالكًا كره العمرة في بقية ذي الحجة وأبو حنيفة وإن صحح الإحرام به قبل شوّال فقد استكرهه. (فمن تمتع في هذه الأشهر) الثلاثة أو العاشر من الحجة أو ليلته (فعليه دم أو صوم) ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إن عجز عن الهدي وليس للقيد بالأشهر مفهوم، لأن الذي يعتمر في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعًا ولا دم عليه، وكذلك المكي عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة ويدخل في عموم قوله: فمن تمتع من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج منها، وبه قال الحسن البصري وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط، والذي عليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد وأن يقدم العمرة وأن لا يكون مكيًّا فمتى اختل شرط واحد من هذه الشروط لم يكن متمتعًا.
(والرفث الجماع) أو الفحش من الكلام (والفسوق المعاصي) فيه إشعار بأن الفسوق جمع فسق لا مصدر وتفسير الأشهر وسائر الألفاظ زيادة للفوائد باعتبار أدنى ملابسة بين الآيتين قاله الكرماني: (والجدال المراء) كذا فسره ابن عباس فيما رواه ابن أبي شيبة ولفظه: ولا جدال في الحج تماري صاحبك حتى تغضبه.
٣٨ - باب الاِغْتِسَالِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ
(باب) استحباب (الاغتسال عند دخول مكة) ولو لحائض ونفساء، ويستثنى من خرج من مكة فأحرم بالعمرة من مكان قريب كالتنعيم واغتسل للإحرام فلا يسن له الغسل لدخولها لحصول النظافة بالغسل السابق، بخلاف ما إذا أحرم من مكان بعيد كالجعرانة والحديبية وظاهر إطلاقه يتناول المحرم والحلال الداخل لها أيضًا، وقد حكاه الشافعي في الأم عن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح، وإنما لم يجب لأنه غسل لمستقبل كغسل الجمعة والعيد نعم يكره تركه وإحرامه جنبًا ومثله حائض ونفساء انقطع دمهما وغير المميز يغسله وليه، ولو عجز عن الغسل لفقد الماء أو غيره تيمم أو وجد ماء لا يكفي غسله توضأ به حكاه الرافعي عن البغوي وأقره. قال النووي: إن أراد أن يتوضأ ثم يتيمم فحسن، وإن أراد الاقتصار على الوضوء فليس بجيد لأن المطلوب الغسل والتيمم يقوم مقامه دون الوضوء اهـ.
والأقرب الأول ولعله إنما اقتصر على الوضوء كالشافعي في قوله: فإن لم يجد ماء يكفي غسله توضأ فإن لم يجد ماء بحال تيمم فيقوم ذلك مقام الغسل والوضوء تنبيهًا على أن أعضاء الوضوء أولى بالغسل لما فيه من تحصيل الوضوء الذي هو عبادة كاملة وسنة قبل الغسل القائم مقامه التيمم.
١٥٧٣ - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "كَانَ ابْنُ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ. ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ".
وبالسند قال (حدثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي العبدري قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية إسماعيل بن إبراهيم بن سهم