مثل ونحو وسبق مبحث ذلك في الوضوء (ثم قال):
(من توضأ نحو وضوئي هذا ثم يصلّي ركعتين) وفي الوضوء: صلّى بلفظ الماضي (لا يحدث نفسه) من باب التفعيل المقتضي للتكسب من حديث النفس وهذا دفعه ممكن بخلاف ما يهجم فإنه معفو عنه لتعذره (فيهما) أي في الركعتين (بشيء). وفي مسند أحمد والطبراني في الأوسط لا يحدث نفسه فيهما إلا بخير أي كمعاني المتلو من القرآن والذكر والدعاء الحاضر من نفسه أو إمامه أما فيما لا يتعلق بالصلاة أو لا يتعلق بقراءة أو ذكر أو دعاء حاضر بل في الجملة فلا كما قرره ابن عبد السلام وغيره، وفي بعض الروايات كما عند الترمذي الحكيم في كتاب الصلاة له لا يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا (غفر له ما تقدم من ذنبه). من الصغائر، وهذا الحديث ليس فيه شيء من أحكام الصيام لكن أدخله في هذا الباب لمعنى لطيف وذلك أنه أخذ شرعية السواك للصائم
بالدليل الخاص ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال عود السواك من رطوبة ويبوسة ثم انتزع ذلك من أعم من ذلك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك من رطوبة ويبوسة ثم انتزع ذلك من أعم من ذلك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب، وأصل هذا الانتزاع لابن سيرين حيث قال محتجًا على السواك الأخضر والماء له طعم اهـ.
وقد كره مالك الاستياك بالرطب للصائم لما يتحلل منه والشافعي وأحمد بعد الزوال. قال ابن دقيق العيد: ويحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت يخص به عموم حديث الصحيحين عند كل صلاة ورواية النسائي وغيره عند كل وضوء وهو حديث الخلوف وعبارة الشافعي أحب السواك عند كل وضوء بالليل والنهار إلا أني أكرهه للصائم آخر النهار من أجل الحديث في خلوف فم الصائم اهـ.
وليس في هذه العبارة تقييد ذلك بالزوال فلذا قال الماوردي: لم يحد الشافعي الكراهية بالزوال وإنما ذكر العشي فحده الأصحاب بالزوال اهـ.
واسم العشي صادق بدخول أوّل النصف الأخير من النهار وقيل لا يؤقت بحد معين بل يترك متى عرف أن تغير فمه ناشئ عن الصيام وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس وباختلاف بعد عهده عن الطعام وقرب عهده به لكونه لم يستحر أو تسحر، وفرق بعض أصحابنا بين الفرض والنفل فكرهه في الفرض بعد الزوال ولم يكرهه في النفل لأنه أبعد من الرياء، وقد أخذ مالك وأبو حنيفة بعموم الحديث استحبابه للصائم قبل الزوال وبعده، وقال النووي في شرح المهذّب: أنه المختار، وقال بعضهم: السواك مطهرة للفم فلا يكره كالمضمضة للصائم لا سيما وهي رائحة تتأذى بها الملائكة فلا تترك هنالك، وأما الخبر ففائدته عظيمة بديعة وهي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما مدح الخلوف نهيًا للناس عن تقذر مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيًا للصوَّام عن السواك والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه فعلمناه يقينًا أنه لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة وإنما يراد نهي الناس عن كراهتها قال وهذا التأويل أولى لأن فيه إكرامًا للصائم ولا تعرض فيه للسواك فيذكر أو يتأوّل.
وحديث الباب قد سبق في باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا.
٢٨ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ». وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ، وَيَكْتَحِلُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ الْمَاءِ لَا يَضِيرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ، وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ؟ وَلَا يَمْضَغُ الْعِلْكَ، فَإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ لَا أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ فَإِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لَا بَأْسَ، لَمْ يَمْلِكْ.
(باب) ما جاء في (قول النبي) (إذا توضأ) أحدكم (فليستنشق بمنخره الماء) بفتح الميم وكسر الخاء وقد تكسر الميم اتباعًا للخاء وهذا طرف من حديث أخرجه مسلم قال المؤلّف (ولم يميز) عليه الصلاة والسلام في حديث مسلم المذكور (بين الصائم وغيره) بل ذكره على العموم ولو كان بينهما فرق لميزه عليه الصلاة والسلام. نعم وقع في حديث عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه التمييز بين الصائم وغيره ولفظه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة.
(وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بنحوه: (لا بأس بالسعوط) بفتح السين وقد تضم ما يصب من الدواء من الأنف (للصائم إن لم يصل) أي السعوط (إلى حلقه) أو ما يسمى جوفًا فإن وصل أفطر وقضى يومًا (ويكتحل) أي الصائم وهو من كلام الحسن.
(وقال عطاء): مما وصله سعيد بن منصور (إن تمضمض) الصائم (ثم أفرغ ما في فيه من الماء لا يضيره) بمثناة