للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متقرر فمن أصابه فقد أصاب الحق ولولا ذلك لم يكن لسعد مزية في الصواب لا يقال كانت المسألة قطعية والمسائل القطعية لله فيها حكم واحد لأنّا نقول: بل كانت اجتهادية ظنية، ولهذا كان رأي الأنصار أن يعفى عن اليهود خلافًا لسعد وما كان الأنصار ليتفق أكثرهم على خلاف الصواب قطعًا، وفيه جواز الاجتهاد في زمنه عليه الصلاة والسلام وبحضرته فكيف بعد وفاته؟ وفيه أنه يسوغ للإمام الأعظم إذا كانت له حكومة في نفسه أن يولي نائبًا يحكم بينه وبين خصمه للضرورة وينفذ ذلك على خصمه إذا كان عدلاً ولا يقدح فيه أنه حكم له وهو نائبه نقله في المصابيح.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل سعد والاستئذان والمغازي ومسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والنسائي في المناقب والسِّيَر والفضائل.

١٦٩ - باب قَتْلِ الأَسِيرِ، وَقَتْلِ الصَّبْرِ

(باب) حكم (قتل الأسير، وقتل الصبر) بأن يمسك ذو روح ثم يرمى بشيء حتى يموت. وفي الحديث: النهي عن قتل شيء من الدواب صبرًا، وللكشميهني: قتل الأسير صبرًا بزيادة صبرًا بعد الأسير وحذف قوله وقتل الصبر وهي أخصر والصبر لغة الحبس إذا شدت يدا رجل ورجلاه وأمسكه آخر وضرب عنقه يقال قتل صبرًا.

٣٠٤٤ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ".

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل) مكة (عام الفتح وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الفاء المفتوحة راء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة (فلما نزعه جاء رجل) هو أبو برزة الأسلمي (فقال): يا رسول الله (إن ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء والمهملة آخره لام اسمه عبد الله أو عبد العزى (متعلق بأستار الكعبة فقال) عليه الصلاة والسلام:

(اقتلوه) لأنه ارتد عن الإسلام وقتل مسلمًا كان يخدمه وكان يهجو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وله قينتان تغنيان بهجاء المسلمين فابتدره سعيد بن حريث أو أبو برزة أو الزبير بن العوّام أو سعد بن ذؤيب أو تعاونوا كلهم على قتله، وهذا مخصص لقوله عليه الصلاة والسلام "من دخل المسجد فهو آمن" وفيه جواز إقامة الحد والقصاص بمكة خلافًا لأبي حنيفة، وتأول الحديث بأنه قتل ابن خطل في الساعة التي أبيحت له. وأجاب أصحابنا: بأنها إنما أبيحت ساعة الدخول حتى استولى عليها، وإنما قتل ابن خطل بعد ذلك لأنه وقع بعد نزع المغفر.

وهذا الحديث قد مرّ في باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام في أواخر كتاب الحج.

١٧٠ - باب هَلْ يَسْتَأْسِرُ الرَّجُلُ؟ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ، وَمَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ

هذا (باب) بالتنوين (هل يستأسر الرجل)؟ أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا؟ (و) بيان حكم (من لم يستأسر) لم لم يسلم نفسه للأسر (ومن ركع) ولأبي ذر: من صلّى (ركعتين عند القتل).

٣٠٤٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ- أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ -جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ- فَانْطَلَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ -وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَىٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَىْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاقْتَصُّوا

آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَؤوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا. فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ. فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُهُمْ، إِنَّ لِي في هَؤُلَاءِ لأُسْوَةً -يُرِيدُ الْقَتْلَى- وجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ. وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ. وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَىِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ، وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا. فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا". [الحديث ٣٠٤٥ - أطرافه في: ٣٩٨٩، ٤٠٨٦، ٧٤٠٢].

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن أبي سفيان) بفتح العين وسكون الميم (ابن أسيد بن جارية) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وجارية بالجيم (الثقفي وهو حليف لبني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء (وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قدم عليه بعد أُحُد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله إن

فينا إسلامًا فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا (عشرة رهط) ما دون العشرة من الرجال ولا يكون فيهم امرأة (سرية) نصب على البيان (عينًا) أي جاسوسًا وانتصابه بدل من سرية. وعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستة نفر من أصحابه وهم: مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وخالد بن البكير الليثي حليف بني عديّ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق. وما في الصحيح أصح وقد عدّ فيهم مغيث بن عبيد البلوي حليف الأنصار (وأمّر عليهم عاصم بن ثابت) أي ابن أبي الأقلح (الأنصاري جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب) لأمه لأن أم عاصم بن عمر هي بنت عاصم بن ثابت واسمها جميلة بفتح الجيم. وقال مصعب الزهري: إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>