للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قلت يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا) بكسر الجيم وسكون اللام من أنفسنا وعشيرتنا (ويتكلمون بألسنتنا) أي من العرب وقيل من بني آدم وقيل إنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون (قلت) يا رسول الله (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) بكسر الهمزة أميرهم أي وإن جار، وعند مسلم من طريق أبي الأسود عن حذيفة تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وعند الطبراني من رواية خالد بن سبيع فإن رأيت خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك (قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال) صلوات الله وسلامه عليه (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة) بفتح الفوقية والعين المهملة والضاد المعجمة. المشددة قال التوربشتي: أي تمسك بما يصبرك وتقوى به عزيمتك على اعتزالهم ولو بما لا يكاد يصح أن يكون متمسكًا، وقال الطيبي: هذا شرط تعقب به الكلام تتميمًا ومبالغة أي اعتزل الناس اعتزالاً لا غاية بعده ولو قنعت فيه بعضّ الشجرة افعل فإنه خير لك (حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) العضّ وهو كناية عن شدة المشقّة كقولهم: فلان يعضّ على الحجارة من شدة الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: "عضوا عليها بالنواجذ" والمراد كما قال الطبري من الخير لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، فإن لم يكن ثمّ إمام وافترق الناس فرقًا فليعتزل الجميع إن استطاع خشية الوقوع في الشر وهل الأمر للندب أو الإيجاب الذي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه لحديث ابن ماجة عن أنس مرفوعًا: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة" والجماعة التي أمر الشارع بلزومها جماعة أئمة العلماء لأن الله تعالى جعلهم حجة على خلقه وإليهم تفزع العامة في أمر دينها وهم المعنيون بقوله: إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة. وقال آخرون: هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين وفرّقوا عماده، وثبتوا أوتاده. وقال آخرون: هم جماعة أهل الإسلام ما كانوا مجتمعين على أمر واجب على أهل المِلَل اتباعه فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين.

والحديث سبق في علامات النبوّة وأخرجه مسلم في الفتن وكذا ابن ماجة.

١٢ - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ

(باب من كره أن يكثر) بتشديد المثلثة (سواد) أي أشخاص أهل (الفتن و) أشخاص أهل (الظلم).

٧٠٨٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِى أَشَدَّ النَّهْىِ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَأْتِى السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ} [النساء: ٩٧].

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) المقرئ التجيبي قال: (حدّثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة ابن شريح (وغيره قالا: حدّثنا أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن الأسدي يتيم عروة، وأما المبهم في قوله وغيره فقال في الفتح: كأنه يريد ابن لهيعة فإنه رواه عن أبي الأسود (وقال الليث) بن سعد الإمام (عن أبي الأسود قال) أي أبو الأسود (قطع) بضم القاف وكسر الطاء المهملة أي أفرد (على أهل المدينة بعث) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة جيش منهم ومن غيرهم للغزو ليقاتلوا أهل الشام في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة (فاكتتبت فيه) في البعث واكتتبت بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (فلقيت عكرمة) مولى ابن عباس (فأخبرته) أني اكتتبت في ذلك البعث (فنهاني) عن ذلك (أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن ناسًا) بالهمزة (من المسلمين) منهم عمرو بن أمية بن خلف، والحارث بن زمعة وغيرهما مما ذكرته في تفسير سورة النساء (كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأتي السهم فيرمي) بضم التحتية وفتح الميم به، قيل هو من المقلوب أي فيرمي بالسهم فيأتي ويحتمل أن تكون الفاء الثانية زائدة كما في سورة النساء فيأتي السهم يرمى به (فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله) وقوله أو يضربه عطف على فيأتي لا على فيصيب والمعنى يقتل إما بالسهم وإما بضرب السيف ظالمًا بسبب تكثيره سواد الكفار وإنما كانوا يخرجون مع المشركين لا لقصد

<<  <  ج: ص:  >  >>