لما يجده الإنسان في نفسه لقوله في الحديث الآخر فأجدني أعافه.
وهذا آخر كتاب الأحكام وما بعده من التمني، وإجازة خبر الواحد. وفرغت منه بعون الله وتوفيقه في يوم الأربعاء خامس عشر شهر الله المحرم الحرام سنة ست عشرة وتسعمائة والله أسأل الإعانة على التكميل فهو حسبي ونعم الوكيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
٩٦ - كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنّة
(كتاب الاعتصام) هو افتعال من العصمة وهي المنعة والعاصم المانع والاعتصام الاستمساك بالشيء فالمعنى هنا الاستمساك (بالكتاب) أي بالقرآن (والسُّنّة) وهي ما جاء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أقواله وأفعاله وتقريره وما همّ بفعله والمراد امتثال قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا} [آل عمران: ١٠٣] والحبل في الأصل هو السبب وكل ما وصلك إلى شيء فهو حبل وأصله في الإجرام واستعماله في المعاني من باب المجاز، ويجوز أن يكون حينئذٍ من باب الاستعارة، ويجوز أن يكون من باب التمثيل ومن كلام الأنصار -رضي الله عنهم- بيننا وبين القوم حبالاً ونحن قاطعوها يعنون العهود والحلف. قال الأعشى:
وإذا تجوّزها حبال قبيلة ... أخذت من الأخرى إليك حبالها
يعني: العهود. قال في اللباب: وهذا المعنى غير طائل بل سمي العهد حبلاً للتوصل به إلى الغرض قال:
ما زلت معتصمًا بحبل منكم
والمراد بالحبل هنا القرآن لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الطويل هو حبل الله المتين.
٧٢٦٨ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّى لأَعْلَمُ أَىَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ سَمِعَ سُفْيَانُ مِنْ مِسْعَرٍ، وَمِسْعَرٌ قَيْسًا وَقَيْسٌ طَارِقًا.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) ولأبوي الوقت وذر: حدّثنا عبد الله بن الزبير الحميدي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة ابن كدام بكسر الكاف وفتح المهملة المخففة (وغيره) يحتمل كما قال في الفتح أن يكون سفيان الثوري فإن الإمام أحمد أخرجه من روايته (عن قيس بن مسلم) الجدلي بالجيم المفتوحة والدال المهملة الكوفي (عن طارق بن شهاب) الأحمسي رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنه لم يثبت له منه سماع أنه (قال: قال رجل من اليهود) هو كعب الأحبار قبل أن يسلم كما عند الطبراني في الأوسط (لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-: (يا أمير المؤمنين لو أن علينا) معشر اليهود (نزلت هذه الآية: {اليوم أكملت لكم دينكم}) يعني الفرائض والسُّنن والحدود والجهاد والحرام والحلال فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض وهذا ظاهر السياق وفيه نظر وقد ذهب جماعة إلى أن المراد بالإكمال ما يتعلق بأصول الأركان لا ما يتفرع عنها ({وأتممت عليكم نعمتي}) بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكهم ({ورضيت لكم الإسلام}) اخترته لكم ({دينًا} [المائدة: ٤]) من بين الأديان ورضي يتعدى لواحد وهو الإسلام ودينًا على هذا حال أو يتضمن معنى جعل وصير فيتعدى لاثنين الإسلام دينًا، وعلى في قوله: {وأتممت عليكم} يتعلق بأتممت ولا يجوز تعلقه بنعمتي وإن كان فعلها يتعدى بعلى نحو أنعم الله عليه وأنعمت عليه لأن المصدر لا يتقدم عليه معموله إلا أن ينوب منابه (لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا) نعظمه في كل سنة لعظم ما وقع فيه من كمال الدين (فقال عمر) لكعب: (إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية) فيه (نزلت يوم عرفة في يوم جمعة) قال ابن عباس: كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود وعيد النصارى والمجوس ولم تجتمع أعياد أهل المِلَل في يوم قبله ولا بعده. قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (سمع سفيان) بن عيينة حديث طارق هذا (من مسعر) ولأبي ذر سمع سفيان مسعرًا (ومسعرًا) سمع (قيسًا وقيس) سمع (طارقًا) فصرح بالسماع فيما عنعنه أوّلاً اطّلاعًا منه على سماع كل من شيخه.
ووجه سياق الحديث هنا من حيث إن الآية تدل على أن هذه الأمة المحمدية معتصمة بالكتاب والسُّنّة لأن الله تعالى منّ عليهم بإكمال الدين وإتمام النعمة ورضي لهم بدين الإسلام.
والحديث سبق في كتاب الإيمان.
٧٢٦٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِى عِنْدَهُ عَلَى الَّذِى عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِى هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَكُمْ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا وَإِنَّمَا هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ.
وبه