الأصابع (عليه صدقة كل يوم) بنصب كل على الظرفية (يعين الرجل) مبتدأ على تأويل المصدر نحو تسمع بالمعيدي أي وإعانتك الرجل (في دابته يحامله) بالحاء المهملة يساعده في الركوب (عليها) أي الدابة ولأبي ذر عليه أي الركوب (أو يرفع عليها متاعه) وخبر المبتدأ قوله (صدقة، والكلمة الطيبة، وكل خطوة) بفتح الخاء المعجمة المرة الواحدة ولأبي ذر خطوة بضمها ما بين القدمين (يمشيها إلى الصلاة صدقة، ودل الطريق) بفتح الدال المهملة وتشديد اللام أي الدلالة عليه للمحتاج إليه (صدقة).
ومطابقته للترجمة في قوله يعين الرجل في دابته وسبق بعض الحديث في الصلح.
٧٣ - باب فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: ٢٠]
(باب فضل رباط يوم في سبيل الله) بكسر راء رباط وتخفيف الموحدة مصدر رابط ووجه المفاعلة في هذا أن كلاًّ من الكفار والمسلمين ربطوا أنفسهم على حماية طرف بلادهم من عدوّهم والرباط مراقبة العدوّ في الثغور المتاخمة لبلادهم بحراسة من بها من المسلمين وهو في الأصل الإقامة على الجهاد، وقيل الرباط مصدر رابط بمعنى لازم وقيل هو اسم لما يربط من الشيء أي يشد فكأنه يربط نفسه عما يشغله عن ذلك أو أنه يربط فرسه التي يقاتل عليها، وقول ابن حبيب من المالكية ليس من سكن الرباط بأهله وماله وولده مرابطًا بل من يخرج عن أهله وماله وولده قاصدًا للرباط، تعقبه في الفتح فقال في إطلاقه نظر فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدوّ ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور.
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على رباط المجرور ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا اصبروا}) أي على مشاق الطاعات وما يصيبكم من الشدائد ({وصابروا}) وغالبوا أعداء الله في الصبر على شدائد الحرب ({ورابطوا}) أبدانكم وخيولكم في الثغور مترصدين للغزو وأنفسكم على الطاعة، وفي الموطأ حديث أبي هريرة مرفوعًا: "وانتظار الصلاة فذلكم الرباط". وروى ابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أقبل عليّ أبو هريرة يومًا فقال: أتدري يا ابن أخي فيم
أنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} قلت: لا، قال: أما أنه لم يكن في زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلاة في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها ففيهم أنزلت. اصبروا على الصلوات الخمس وصابروا أنفسكم وهواكم ورابطوا في مساجدكم الحديث. وكذا رواه الحاكم بنحوه في مستدركه، لكن حمل الآية على الأول أظهر كما قاله في الفتح، وعلى تقديم تسليم أنه لم يكن في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رباط فلا يمنع ذلك من الأمر به والترغيب فيه اهـ.
وعن محمد بن كعب: اصبروا على دينكم وصابروا لوعدي الذي وعدتكم به ورابطوا عدوّي وعدوّكم حتى يترك دينه لدينكم ({واتقوا الله}) في جميع أموركم وأحوالكم ({لعلكم تفلحون}) [آل عمران: ٢٠٠] غدًا إذا لقيتموه تعالى وفي رواية غير أبي ذر بعد قوله تعالى: {اصبروا} إلى آخر الآية فحذف ما بينهما.
٢٨٩٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون المروزي أنه (سمع أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي أو الليثي الكناني البغدادي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(رباط يوم) أي ثواب رباط يوم (في سبيل الله خير من) النعيم الكائن في (الدنيا وما عليها) كله لو ملكه إنسان وتنعم به لأنه نعيم زائل بخلاف نعيم الآخرة فإنه باقٍ وعبر بعليها دون فيها لما فيه من الاستعلاء وهو أعم من الظرفية وأقوى، وفيه دليل على أن الرباط يصدق بيوم واحد وكثيرًا ما يضاف السبيل إلى الله والمراد به كل عمل خالص يتقرب به إلى الله تعالى كأداء الفرائض والنوافل لكنه غلب إطلاقه على الجهاد حتى صار حقيقة شرعية فيه في مواضع (وموضع سوط أحدكم من الجنة خبر من الدنيا وما عليها)، عبر