يطرق الرجل أهله ليلًا يتخوّنهم أو يطلب عثراتهم، رواه مسلم، لكن اختلف في هذه الزيادة هل هي مدرجة؟ ومن ثم اقتصر البخاري على القدر المتفق على رفعه وساق الباقي في الترجمة، وقد أخرجه بهذه الزيادة النسائي من رواية أبي نعيم عن سفيان، ومسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به، لكنه قال في آخره قال سفيان: لا أدري هذا في الحديث أم لا. والمعنى أنه إذا طرقهم ليلًا وهو وقت خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضهم لبعض كان ذلك سببًا لسوء ظن أهله به، وكأنه إنما قصدهم ليلًا ليجدهم على ريبة حتى توخى وقت غرتهم وغفلتهم، وعند أحمد والترمذي من طريق أخرى عن الشعبي عن جابر: لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وعند أبي
عوانة في صحيحه من حديث محارب عن جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلًا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلًا فأشار إليها بالسيف، فلما ذكر ذلك للنبي ﷺ نهى أن يطرق الرجل أهله ليلًا. وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر قال: نهى رسول الله ﷺ أن يطرق النساء ليلًا فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره، وأخرج من حديث ابن عباس نحوه وقال فيه: فكلاهما وجد مع امرأته رجلًا.
وفي الحديث فوائد لا تخفى على متأمل، وأخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم وأبو داود في الجهاد والنساني في عِشرة النساء.
١٢١ - باب طَلَبِ الْوَلَدِ
(باب طلب) الرجل (الولد) بالاستكثار من الجماع لقصد ذلك لا الاقتصار على اللذة.
٥٢٤٥ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا يُعْجِلُكَ»؟ قُلْتُ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ: «فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا»؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ». قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا. أَيْ عِشَاءً. لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ». وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا جَابِرُ يَعْنِي الْوَلَدَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الواسطي البلخي الأصل (عن سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية وبعد الألف راء ابن وردان أبي الحكم العنزي الواسطي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر) ﵁ أنه (قال: كنت مع رسول الله ﷺ في غزوة) هي غزوة تبوك (فلما قفلنا) رجعنا (تعجلت على بعير) لي (قطوف) أي بطيء (فلحقني راكب من خلفي) زاد في الباب اللاحق فنخس بعيري بعنزة كانت معه فسار بعيري كأحسن ما أنت راءٍ من الإبل (فالتفت فإذا أنا برسول الله ﷺ قال) لي:
(ما يعجلك)؟ أي ما سبب إسراعك (قلت: إني حديث عهد بعرس) أي قريب بناء بامرأة (قال) ﵊: (فبكرًا تزوجت) بنصب فبكرًا بتزوجت (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قلت: بل) تزوّجت (ثيبًا) وفي بعض الأصول، قلت: لا بل ثيبًا بزيادة لا وعليه شرح في المصابيح ثم قال: فإن قلت: قول جابر لا بل ثيبًا ما وجهه ولم يتقدم له شيء يضرب عنه؟ وأجاب بأن معناه لِمَ لا تزوجت بكرًا وأضرب عنه وزاد لا توكيدًا لتقرير ما قبلها من النفي فقال لا بل ثيبًا انتهى.
(قال) ﵊ (فهلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك. قال) جابر: (فلما قدمنا ذهبنا لندخل) المدينة (فقال) ﵊ (أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا أي عشاءً)
وهذا محمول على بلوغ خبرهم بالوصول فاستعدوا ليجمع بينه وبين النهي عن الطرق ليلًا. (لكي تمتشط الشعثة) بالمثلثة المنتشرة الشعر المغبرة الرأس (وتستحدّ المغيبة) بضم الميم وكسر المعجمة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى في إزالة الشعر المشروع إزالته من غاب عنها زوجها.
(قال) أي هشيم كما قاله الإسماعيلي (وحدّثني) بالإفراد (الثقة) قال الكرماني: لم يصرح باسمه لأنه لعله نسيه وليس الجهل باسمه قادحًا لتصريحه بكونه ثقة (أنه قال في هذا الحديث. الكيس الكيس) بالتكرار مرتين والنصب على الإغراء أي فعليك بالجماع أو التحذير أي إياك والعجز عن الجماع (يا جابر) قال البخاري: (يعني) ﷺ بقوله الكيس (الولد) فالمراد الحث على ابتغاء الولد يقال: أكيس الرجل إذا ولد له أولاد أكياس. وقال ابن الأعرابي: الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلًا، وفي رواية محمد بن إسحاق عند ابن خزيمة في صحيحه: فإذا قدمت فاعمل عملًا كيسًا وفيه