المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره، وقال في آخر روايته: وعند المكان الذي صلّى فيه مرمرة حمراء، وكل هذا إخبار عما كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبنى في زمن ابن الزبير، فأما الآن فقد بين موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين الجدار الذي استقبله قريبًا من ثلاثة أذرع، وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
وموضع الترجمة من الحديث قوله: فأغلقوا عليهم، لكن استشكل قوله في الترجمة ويصلّي في أي نواحي البيت شاء فإنه يدل على التخيير، وفي الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بين اليمانيين وهو يدل على التعيين. وأجيب: بأن صلاته عليه الصلاة والسلام في ذلك الموضع لم تكن قصدًا بل وقعت اتفاقًا، وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج، والنسائي فيه وفي الصلاة.
٥٢ - باب الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ
(باب الصلاة في الكعبة) اختلف في ذلك، فعن ابن عباس: لا تصح الصلاة داخلها مطلقًا لأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها، وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها، واستحب الشافعية الصلاة فيها وهو ظاهر في النفل ويلحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم، وهو قول الجمهور، ومشهور مذهب المالكية جوازًا لسنة فيها وفي الحجر لأي جهة كانت. وأما الفرض والسنن المؤكدة كالوتر والنافلة المؤكدة كالفجر فلا يجوز إيقاع شيء منها فيهما وهو مذهب المدونة فإن صلّى الفرض فيهما أعاد في الوقت.
١٥٩٩ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ الْوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ وَيَجْعَلُ الْبَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ فَيُصَلِّي، يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَىِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ".
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) هو السمسار المروزي فيما قاله أبو نصر الكلاباذي وأبو عبد الله الحاكم. وقال الدارقطني: هو ابن شبويه ورجح المزي وغيره الأول قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا موسى بن عقبة عن نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-):
(أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه) بكسر القاف وفتح الموحدة كاللذين بعد أي مقابل الوجه (حين يدخل) الكعبة (ويجعل الباب قبل الظهر يمشي حتى يكون) المقدار أو المسافة (بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا) نصب خبر يكون واسمها محذوف مقدر بالمقدار أو المسافة، ولأبي ذر وابن عساكر: قريب بالرفع اسم ليكون (من ثلاث أذرع) بحذف التاء من تلاث، وللأصيلي وابن عساكر: ثلاثة أذرع، وهذه زيادة على الرواية السابقة كما مرّ وقد جزم برفعها مالك عن نافع فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدي، والدارقطني في الغرائب، وأبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع، وحينئذ فينبغي لمن أراد الاتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه يقع قدماه في مكان قدميه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن كانت ثلاثة أذرع سواء وتقع ركبتاه أو يداه أو وجهه إن كان أقل من ثلاثة أذرع، (فيصلّي) حال كونه (يتوخى) بتشديد الخاء المعجمة أي يقصد (المكان الذي أخبره بلال أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى فيه). قال ابن عمر أو غيره (وليس على أحد بأس أن يصلّي في أي نواحي البيت شاء) أي: إذا كان الباب مغلقًا كما مرّ في الباب السابق.
٥٣ - باب مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الْكَعْبَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَحُجُّ كَثِيرًا وَلَا يَدْخُلُ
(باب من لم يدخل الكعبة) لأنه ليس من مناسك الحج. (وكان ابن عمر -رضي الله عنهما-) الذي هو أشهر من روى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخول الكعبة (يحج كثيرًا ولا يدخل) الكعبة، فلو كان من المناسك لما أخل به مع كثرة اتباعه، وهذا التعليق وصله سفيان الثوري في جامعه.
١٦٠٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ "اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا". [الحديث ١٦٠٠ - أطرافه في: ١٧٩١، ٤١٨٨، ٤٢٥٥].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنه- (قال):
(اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة قبل الفتح (فطاف بالبيت وصلّى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس فقال له:) أي لابن أبي أوفى (رجل: أدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكعبة؟) في هذه العمرة والهمزة للاستفهام، (قال): ابن أبي أوفى (لا). لم يدخلها في هذه العمرة وسببه ما كان فيها حينئذ من الأصنام ولم يكن