ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) ﵁ أنه (قال: قال رسول الله ﷺ):
(لا تحاسد) بفوقية مفتوحة قبل الحاء وضم السين المهملتين جائز في شيء (إلا في اثنتين) بالتأنيث إحدى الاثنتين (رجل) بالرفع أي خصلة رجل (آتاه الله) ﷿ (القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار) أي ساعات الليل وساعات النهار ولأبوي الوقت وذر من آناء الليل وآناء النهار (فهو) أي الحاسد (يقول لو أوتيت) لو أعطيت (مثل ما أوتي) أعطي (هذا) من القرآن (لفعلت كما يفعل) لقرأت كما يقرأ (ورجل) وخصلة رجل (آتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه﴾) من الصدقة الواجبة ووجوه الخير المشروعة لا في التبذير ووجوه المكاره (فيقول) الحاسد (لو أوتيت مثل ما أوتي) هذا من المال (عملت فيه مثل ما يعمل) من الإنفاق في حقه.
قال في شرح المشكاة أثبت الحسد في هذا الحديث لإرادة المبالغة في تحصيل النعمتين الخطيرتين اللتين لو اجتمعتا في امرئ بلغ من العلياء كل مكان.
٧٥٢٩ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ،
وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ». سَمِعْتُ سُفْيَانَ مِرَارًا لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الْخَبَرَ وَهْوَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر ﵄ (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(لا حسد إلا في اثنتين) إحداهما (رجل آتاه الله) ﷿ بمدّ همزة آتاه أي أعطاه الله (القرآن فهو يتلوه) ولأبي ذر والأصيلي يقوم به (آناء الليل وآناء النهار) ساعاتهما وواحد الآناء. قال الأخفش: إني مثل معي وقيل أنو يقال مضى أنيان من الليل وأنوان (و) ثانيهما (رجل آتاه الله) ﷿ (مالاً فهو ينفقه) في حقه (آناء الليل وآناء النهار).
قال البغوي: المراد من الحسد هنا الغبطة وهي أن يتمنى الرجل مثل ما لأخيه من غير أن يتمنى زواله عنه والمذموم أن يتمنى زواله وهو الحسد ومعنى الحديث الترغيب في التصدّق بالمال وتعليم العلم اهـ.
قال علي بن عبد الله المديني (سمعت سفيان) ولأبوي الوقت وذر: سمعت من سفيان (مرارًا لم أسمعه يذكر الخبر) أي لم أسمعه بلفظ أخبرنا أو حدّثنا الزهري بل بلفظ قال (وهو) مع ذلك (من صحيح حديثه) فلا قدح فيه إذ هو معلوم من الطرق الصحيحة فعند الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة قال: حدّثنا سفيان هو ابن عيينة قال: حدّثنا الزهري عن سالم به، وكذا هو في مسلم عن أبي خيثمة زهير بن حرب. وقال في الكواكب: أورد البخاري الترجمة مخرومة إذ ذكر من صاحب القرآن حال المحسود فقط ومن صاحب المال حال الحاسد فقط ولا لبس في ذلك لأنه اقتصر على ذكر حامل القرآن حاسدًا ومحسودًا وترك حال ذي المال.
وسبق الحديث في العلم وفضائل القرآن والتمني.
٤٦ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ﴾
[المائدة: ٦٧] وَقَالَ الزُّهْرِىُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ، وَقَالَ: ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّى﴾ [الأعراف: ٦٢]، وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ﴿وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٩٤] وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ فَقُلِ: «اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ وَقَالَ مَعْمَرٌ: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] بَيَانٌ وَدِلَالَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ﴾ [الممتحنة: ١٠] هَذَا
حُكْمُ اللَّهِ لَا رَيْبَ لَا شَكَّ تِلْكَ آيَاتُ يَعْنِى هَذِهِ أَعْلَامُ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢] يَعْنِى بِكُمْ، وَقَالَ أَنَسٌ: بَعَثَ النَّبِىُّ ﷺ خَالَهُ حَرَامًا إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِى أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ.
(باب قول الله تعالى: ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك﴾) ناداه بأشرف الصفات البشرية وقوله بلغ وهو قد بلغ فأجاب الكشاف بأن المعنى جميع ما أنزل إليك أي أيّ شيء أنزل غير مراقب في تبليغه أحدًا ولا خائف أن ينالك مكروه وقوله ما يحتمل أن تكون بمعنى الذي ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة لأنه مأمور بتبليغ الجميع كما مرَّ والنكرة لا تفي بذلك فإن تقديرها بلغ شيئًا أنزل إليك وفي أنزل ضمير مرفوع يعود على ما قام مقام الفاعل (﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته﴾ [المائدة: ٦٧]) بلفظ الجمع وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي بكر أي إن لم تفعل التبليغ فحذف المفعول، ثم إن الجواب لا بدّ وأن يكون مغايرًا للشرط لتحصل الفائدة ومتى اتحدا اختل الكلام فلو قلت إن أتى زيد فقد جاء لم يجز وظاهر قوله تعالى: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت﴾ اتحاد الشرط والجزاء فإن المعنى يؤول ظاهرًا وإن لم تفعل لم تفعل. وأجاب الناس عن ذلك بأجوبة، فقيل: هو أمر تبليغ الرسالة في المستقبل أي بلغ ما أنزل إليك من ربك في المستقبل وإن لم تفعل أي وإن لم تبلّع الرسالة في المستقبل فكأنك لم تبلّع الرسالة أصلاً أو بلغ ما أنزل إليك من ربك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعدة فإن لم تبلغ كنت كمن لم يبلغ أصلاً أو بلغ غير خائف أحدًا فإن لم تبلغ على هذا الوصف فكأنك لم تبلغ الرسالة أصلاً ثم