وراحة كدخول الجنة {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بما أمر به {وَاسْتَغْنَى} [الليل: ٨] بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ١٠] للخلة الموجبة إلى العسر والشدة كدخول النار.
وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاوة بتقدير الله القديم واستدلّ به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا، كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه، لأن العمل أمارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر، والحق أن العمل علامة وأمارة، فيحكم بظاهر الأمر. وأمر الباطن إلى الله تعالى، وقال بعضهم: إن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل، لأن القدر من أسراره، لا يطلع عليه إلا هو فإذا دخلوا الجنة كشف لهم.
٨٤ - باب مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ
(باب ما جاء) من الحديث (في قاتل النفس).
١٣٦٣ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». [الحديث ١٣٦٣ - أطرافه في: ٤١٧١، ٤٨٤٣، ٦٠٤٧، ٦١٠٥، ٦٦٥٢].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي، مصغرًا، ويزيد من الزيادة، قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن ثابت بن الضحاك) الأنصاري الأشهلي (رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(من حلف بملة غير) ملة (الإسلام) كاليهودية والنصرانية حال كونه (كاذبًا) في تعظيم تلك الملة التي حلف بها، أو: كاذبًا في المحلوف عليه، لكن عورض بكون المحلوف عليه يستوي فيه كونه صادقًا أو كاذبًا، إذا حلف بملة غير ملة الإسلام، فالذم إنما هو من جهة كونه حلف بتلك الملة الباطلة، معظمًا لها، حال كونه (متعمدًا) فيه دلالة لقول الجمهور: إن الكذب: الخبر غير المطابق للواقع، سواء كان عمدًا أو غيره، إذ لو كان شرطه التعمد لما قيد به هنا. (فهو كما قال) أي: فيحكم عليه بالذي نسبه لنفسه، وظاهره الحكم عليه بالكفر إذا قال هذا القول.
ويحتمل أن يعلق ذلك بالحنث، لما روى بريدة مرفوعًا: من قال: أنا بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا يرجع إلى الإسلام سالمًا. والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وعليه يحمل قوله: من حلف بغير الله فقد كفر، رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وإن قصد حقيقة التعليق، فينظر، فإن كان أراد إن قصد حقيقة التعليق، فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك، كفر. لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور. وليقل ندبًا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويستغفر الله.
ويحتمل أن يكون المراد به التهديد والمبالغة في الوعيد، لا الحكم بأنه صار يهوديًّا، وكأنه قال: فهو مستحق لمثل عذاب ما قال، ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: من ترك الصلاة فقد كفر، أي: استوجب عقوبة من كفر، وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في باب: الإيمان بعون الله وقوته.
(ومن قتل نفسه بحديدة) بآلة قاطعة: كالسيف، والسكين، ونحوهما. وفي الإيمان: ومن قتل نفسه بشيء وهو أعم (عذب به) أي: بالمذكور، وللكشميهني عذب بها أي: بالحديدة (في نار
جهنم) وهذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية، ويؤخذ منه: أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم، لأن نفسه ليست ملكًا له مطلقًا، بل هي لله، فلا ينصرف فيها إلا بما أذن له فيه، ولا يخرج بذلك من الإسلام، ويصلّى عليه عند الجمهور، خلافًا لأبي يوسف، حيث قال: لا يصلّى على قاتل نفسه.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في: الأدب، والإيمان، ومسلم في الإيمان، وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة في: الكفارات.
١٣٦٤ - وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الْحَسَنِ "حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ -رضي الله عنه- فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". [الحديث ١٣٦٤ - طرفه في: ٣٤٦٣].
وبه قال (وقال حجاج بن منهال) بكسر الميم، الأنماطي السلمي البصري، مما وصله المؤلّف في: ذكر بني إسرائيل، فقال: حدّثنا محمد قال: حدّثنا حجاج بن منهال، ومحمد هو ابن معمر، كذا نسبه ابن السكن عن الفربري