وكان عليه الصلاة والسلام يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم.
وفي حديث ابن عمر عند ابن المنذر بإسناد قوي، قال: إنما فعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرة، يعني: التطبيق، فقد ثبت نسخ التطبيق، وأنه كان متقدّمًا.
قال الترمذي التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بينهم في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون اهـ.
قيل: ولعل ابن مسعود لم يبلغه النسخ، واستبعد لأنه كان كثير الملازمة للرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه كان صاحب نعله، يلبسه إياها إذا قام وإذا جلس أدخلها في ذراعه، فكيف يخفى عليه أمر وضع يديه على ركبتيه، أو لم يبلغه النسخ؟.
وروى عبد الرزاق عن علقمة والأسود قالا: صلّينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا، فلما انصرف قال: ذاك شيء كنا نفعله فترك.
(وأمرنا) بضم الهمزة، مبنيًّا للمفعول، كنون نهينا. والفاعل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه الذي يأمر وينهى، فله حكم الرفع (أن نضع أيدينا) من إطلاق الكل على الجزء، أي: أكفّنا (على الركب) شبّه القابض عليها مع تفريق أصابعهما للقبلة حالة الوضع.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وتابعي عن تابعي عن صحابي، والابن عن الأب، وأخرجه: مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.
١١٩ - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم) المصلي (الركوع) يعيد صلاته ويتم بميم مشددة مفتوحة.
٧٩١ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: "رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني الكوفي (قال: رأى حذيفة) بن اليمان، رضي الله عنه (رجلاً) لم يعرف اسمه، لكن عند ابن خزيمة، أنه كندي، (لا يتم الركوع والسجود) في رواية عبد الرزاق، فجعل ينقر ولا يتم ركوعه (قال) حذيفة للرجل، ولأبي ذر:
فقال: (ما صليت) نفي للحقيقة، كقوله عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: فإنك لم تصلّ.
واستدلّ به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف وأحمد، أو نفي للكمال كقوله: لا وضوء لمن لم يسم الله، وإليه ذهب أبو حنيفة ومحمد، لأن الطمأنينة في الركوع والسجود عندهما ليست فرضًا، بل واجبة. (ولو مت) على هذه الحالة، (مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الكشميهني، وابن عساكر: عليها، أي على الدين.
وبخه على سوء فعله ليرتدع.
وليس المراد أن تركه لذلك مخرج له من دين الإسلام، فهو كحديث: من ترك الصلاة فقد كفر، أي يؤدّيه التهاون بها إلى جحدها، فيكفر.
أو المراد بالفطرة السُّنّة، فهو كحديث: خمس من الفطرة، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ سنة محمد.
وميم متّ مضمومة، ويجوز كسرها على لغة من يقول: مات يمات، كخاف يخاف، والأصل: موت بكسر العين، كخوف، فجاء مضارعه على: يفعل بفتح العين. فعلى هذه اللغة يلزم أن يقال في الماضي المسند إلى التاء مت بالكسر ليس إلا، وهو: أنا نقلنا حركة الواو إلى الفاء بعد سلب حركتها، دلالة على بنية الكلمة في الأصل.
وهذا الحديث فيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه النسائي في الصلاة.
١٢٠ - باب اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَكَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ.
(باب استواء الظهر في) حالة (الركوع) من غير ميل رأس المصلي عن بدنه إلى جهة فوق أو أسفل.
(وقال أبو حميد) الساعدي، في الحديث المنبّه عليه في باب: وضع الأكف على المركب في الركوع، (في) حضور (أصحابه) رضي الله عنهم: (ركع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فوضع يديه على ركبتيه، (ثم هصر) بفتح الهاء والصاد المهملة، أي أمال (ظهره) للركوع في استواء من رقبته ومتن ظهره من غير تقويس، وللكشميهني: ثم حنى ظهره بالحاء المهملة والنون الخفيفة، وهما بمعنى.
١٢١ - باب حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالاِعْتِدَالِ فِيهِ، وَالاِطْمَأْنِينَةِ
وللكشميهني للأربعة هنا: (باب حدّ إتمام الركوع والاعتدال فيه) أي في الركوع (والإطمأنينة) بكسر الهمزة وسكون الطاء وبعد الألف نون مكسورة ثم مثناة تحتية ثم نون مفتوحة ثم هاء، وللكشميهني: بضم الطاء. وهي أكثر في الاستعمال، وليس عند غير