(عن عمه) عبد الله بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) حال كونه (مستلقيًا) على قفاه حال كونه (واضعًا إحدى رجليه على الأخرى) فيه كما قال الخطابي: إن النهي الوارد في مسلم عن ذلك منسوخ أو محمول على أنه حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك، ورجح الثاني إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال وعلى هذا فيجمع بينهما بما ذكر، وجزم به البغوي والبيهقي وغيرهما، والظاهر أن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لبيان الجواز كان في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجلوس بينهم بالوقار التام، وعند البيهقي عن محمد بن نوفل أنه رأى أسامة بن زيد في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مضطجعًا إحدى رجليه على الأخرى.
والحديث سبق في أبواب المساجد وفي آخر اللباس وأخرجه مسلم في اللباس أيضًا وأبو داود والترمذي.
٤٥ - باب لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المجادلة: ٩] إِلَى قَوْلِهِتَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
[التوبة: ٥١] وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة: ١٢، ١٣].
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يتناجى اثنان دون الثالث) إلا بإذنه وسقط باب لأبي ذر (وقوله تعالى) ولأبي ذر وقال عز وجل: ({يا أيها الذين آمنوا}) بألسنتهم وهو خطاب للمنافقين والظاهر أنه خطاب للمؤمنين ({إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول}) أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر وهو من التجوز بلفظ المراد عن الإرادة المعنى إذا أردتم التناجي ومنه {إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [آل عمران: ٤٧] أي إذا أراد قضاء أمر، ومنه {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: ٤٢] معناه وإن أردت الحكم فاحكم بينهم بالقسط وفيه مجاز من وجهين أحدهما التعبير بالحكم عن الإِرادة والثاني التعبير بالماضي عن المستقبل ({وتناجوا بالبر}) بأداء الفرائض والطاعات ({والتقوى} إلى قوله تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}) [المجادلة: ٩ - ١٠] أي يكلون أمرهم إلى الله ويستعيذون به من الشيطان وسقط لأبي ذر قوله: ({بالإثم والعدوان} إلى {فليتوكل}.
(وقوله) تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول}) أي إذا أردتم مناجاته ({فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}) أي قبل نجواكم وهي استعارة ممن له يدان كقول عمر -رضي الله عنه-: من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم قبل حاجته ({ذلك}) التقديم ({خير لكم}) في دينكم ({وأطهر}) لأن الصدقة طهرة ({فإن لم تجدوا}) ما تتصدقون به ({فإن الله غفور رحيم}) في ترخيص المناجاة من غير صدقة. وقد نسخ وجوب ذلك عنهم وقيل إنه لم يعمل بها قبل نسخها إلا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. وقال معمر عن قتادة: ما كانت إلا ساعة من نهار، وعن ابن عباس لما أكثر المسلمون المسائل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه فقال لهم: {إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة} [المجادلة: ١٢] فضنّ كثير من الناس وكفوا عن المسائلة فأنزل الله تعالى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [المجادلة: ١٣] فوسع الله عليهم ولم يضيق (إلى قوله: {والله خبير بما تعملون}) [المجادلة: ١٢ - ١٣] ولأبي ذر {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} إلى قوله: {بما تعملون} وأشار بالآيتين الأوليين إلى أن التناجي الجائز مقيد بأن لا يكون في الإِثم والعدوان.
٦٢٨٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةٌ فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام قال البخاري (ح).
(وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا كانوا ثلاثة) بالرفع مصححًا عليه في الفرع كأصله، ولأبي ذر ثلاثة بالنصب وصحح عليه أيضًا خبر كان، والأول على أنها تامة، ونسب في فتح الباري وتبعه العيني الرفع لحديث مسلم ولعله لم يقف عليه في رواية البخاري (فلا يتناجى) بألف لفظًا مقصورة ثابتة