ولفظه: ولكن لا أجد سعة أحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي. قاله في الفتح:
(والذي نفسي بيده لوددت) بفتى اللام والواو وكسر الدال الأولى وتسكين الثانية (أني أقتل في سبيل الله ثم أحيى) بضم الهمزة على البناء للمفعول (ثم أقتل ثم أحيى ثم أقتل ثم أحيى، ثم أقتل) بتكرير ثم ست مرات. قال الطيبي: ثم وإن دلّ على التراخي في الزمان لكن الحمل على التراخي في الرتبة هو الوجه لأن المتمنى حصول درجات بعد القتل والإحياء لم تحصل قبل ومن ثم كررها لنيل مرتبة بعد مرتبة إلى أن ينتهي إلى الفردوس الأعلى، ولأبي ذر: فأقتل بالفاء في الثلاثة عوض "ثم" وقال في الفتح: ثم إن النكتة إيراد هذه عقب تلك إرادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته لهم فكأنه قال الوجه الذي تسيرون إليه فيه من الفضل ما أتمنى لأجله أن أقتل مرات
فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل يحصل لكم مثله أو فوقه من فضل الجهاد فراعى خواطر الجميع.
واستشكل هذا التمني منه ﵊ مع علمه بأنه لا يقتل. وأجيب بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع فكأنه ﵊ أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المؤمنين عليه.
٢٧٩٨ - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: "خَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ. وَقَالَ: مَا يَسُرُّنَا أَنَّهُمْ عِنْدَنَا". قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: "مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ".
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن يعقوب الصفار) بفتح الصاد المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف راء الكوفي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قال (حدّثنا إسماعيل بن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن أنس بن مالك ﵁) أنه (قال: خطب النبي ﷺ) بعد أن أرسل سرية إلى مؤتة في جمادي الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيدًا وقال "إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة" فاقتتلوا مع الكفار فأصيب زيد (فقال) ﵊:
(أخذ الراية زيد فأصيب)، أي قتل (ثم أخذها جعفر فأصيب. ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم أي من غير أن يؤمره أحد لكنه لما رأى المصلحة في ذلك فعله (ففتح له) بضم الفاء الثانية (وقال) ﵊ (ما يسرنا أنهم) أي الذين أصيبوا (عندنا). وإنما قال ﵊ ذلك لعلمه بما صاروا إليه من الكرامة (قال أيوب) السختياني: (أو قال) ﵊: (ما يسرهم أنهم عندنا)، لتحققهم خيرية ما حصلوا عليه من السعادة العظمى والدرجة العليا قال ذلك (وعيناه تذرفان) بفتح الفوقية وسكون الذال المعجمة وكسر الراء تسيلان دمعًا على فراقهم أو رحمة لما خلفوه من عيال وأطفال يحزنون لفراقهم ولا يعرفون مقدار عاقبتهم وما لهم عند الله تعالى والجملة حالية.
٨ - باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فَهُوَ مِنْهُمْ
وَقَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠] وَقَعَ: وَجَبَ.
(باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات) عطف على يصرع وعطف الماضي على المضارع قليل، وكان الأصل أن يقول: من صرع فمات أو من يصرع فيمت، وسقط للنسفي لفظ فمات وجواب الشرط قوله: (فهو منهم) أي من المجاهدين، (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على فضل، ولأبي ذر: ﷿ بدل قوله تعالى: (﴿ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت﴾) بقتل أو وقوع من دابة أو غير ذلك (﴿فقد وقع أجره على الله﴾) [النساء: ١٠٠] (وقع) أي: (وجب) هذا تفسير أبي عبيدة في المجاز، وسقط قوله وقع وجب للمستملي، وروى الطبري أن الآية نزلت في رجل مسلم كان مقيمًا بمكة فلما سمع قوله تعالى: ﴿ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها﴾ [النساء: ٩٧] قال لأهله وهو مريض: أخرجوني إلى جهة المدينة فأخرجوه فمات في الطريق فنزلت، واسمه ضمرة على الصحيح.
٢٧٩٩ و ٢٨٠٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ: "نَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ، فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَىَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ، قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا. ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ، فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: مِثْلَ قَوْلِهَا، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا، فَقَالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ. فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزوَتهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا بحيى) بن سعيد الأنصاري (عن محمد بن يحيي بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام) بفتح الحاء والراء المهملتين (بنت ملحان)