للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العيني من الحنفية، وقال أصحابنا: يتصدق بجلال الهدي وزمامه لأنه عليه الصلاة والسلام أمر عليًّا بذلك، والظاهر أن هذا الأمر أمر استحباب.

(ثم) أمرني عليه الصلاة والسلام (بجلودها فقسمتها) وهذا لفظ رواية الحسن بن مسلم وأما لفظ رواية عبد الكريم فأخرجها مسلم من طريق ابن أبي خيثمة زهير بن معاوية عنه ولفظه: أمرني

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها وقال: نحن نعطيه من عندنا.

[١٢٣ - باب]

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:٢٦ - ٣٠].

هذا (باب) بالتنوين ({واذ بوّأنا لإبراهيم}) واذكر زمان جعلنا له ({مكان البيت}) مباءة مرجعًا يرجع إليه للعمارة والعبادة وذكر مكان البيت لأن البيت ما كان حينئذ ({أن لا تشرك بي شيئًا}) أن مفسرة لبوّأنا من حيث أنه تضمن معنى تعبدنا أي ابنه على اسمي وحدي ({وطهّر بيتي}) من الشرك ({للطائفين}) حوله ({والقائمين والركع السجود}) عبر عن الصلاة بأركانها ولم يذكر الواو بين الركع والسجود ذكرها بين القائمين والركع لكمال الاتصال بين الركوع والسجود إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر في الصلاة فرضًا أو نفلاً وينفك القيام عن الركوع فلا يكون بينهما كمال الاتصال أو المراد بالقائمين المعتكفون لمشاهدة الكعبة وبالركع السجود المصلون ({وأذن}) ناد ({في الناس بالحج}) بدعوته والأمر به روي أنه قام على مقامه أو على الحجر أو على الصفا أو على أبي قبيس وقال: إن ربكم اتخذ بيتًا فحجوه فأجابه كل شيء من شجر وحجر، ومن كتب الله له الحج إلى يوم القيامة وهم في أصلاب آبائهم لبيك اللهم لبيك ({يأتوك رجالاً) مشاة جمع راحل ({وعلى كل ضامر}) أي وركبانًا على كل بعير مهزول أتعبه بعد السفر فهزله حال معطوف على حال ({يأتين}) صفة لضامر وجمعه باعتبار معناه ({من كل فج عميق}) طريق بعيد ({ليشهدوا) ليحضروا ({منافع لهم}) دينية ودنيوية ({ويذكروا اسم الله}) عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها ({في أيام معلومات}) عشر ذي الحجة أو يوم النحر وثلاثة بعده ويعضد الثاني قوله: ({على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}) فإن المراد التسمية عند ذبح الهدايا والضحايا ({فكلوا منها}) من لحومها والأمر للاستحباب أو للإباحة، فالجاهلية يحرمون أكلها، وعند الأكثرين لا يجوز الأكل من الدم الواجب ({وأطعموا البائس}) الذي أصابه بؤس أي شدة ({الفقير}) المحتاج ({ثم ليقضوا}) يزيلوا ({تفثهم}) وسخهم بقص الشوارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الإحلال أو التفث المناسك ({وليوفوا نذورهم}) ما ينذرون بالبر في حجهم ({وليطوفوا}) طواف الركن أو طواف الوداع ({بالبيت العتيق}) القديم لأنه أول بيت وضع للناس أو المعتق من تسلط الجبابرة، فكم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه

الله، وأما الحجاج فإنه قصد إخراج ابن الزبير منه دون التسلط عليه وقيل لأنه تعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب، لكن قال ابن عطية: وهذا يردّه التصريف اهـ.

وتعقبه أبو حيان فقال: لا يردّه لأنه فسره تفسير معنى وأما من حيث الإعراب فلأن العتيق فعيل بمعنى مفعل أي معتق رقاب المذنبين ونسبة الإعتاق إليه مجاز إذ بزيارته والطواف به يحصل الإعتاق وينشأ عن كونه معتقًا أن يقال تعتق فيه رقاب المذنبين.

({ذلك}) أي الأمر ذلك ({ومن يعظم حرمات الله}) بترك ما نهى الله عنه أو بتعظيم بيته والشهر الحرام والإحرام ({فهو}) أي التعظيم ({خير له عند ربه}) ثوابًا.

ورواية أبوي ذر والوقت ({يأتوك رجالاً}) إلى قوله: ({فهو خير له عند ربه}) فحذفا ما ثبت عند غيرهما مما ذكر من الآيات، وعزا في فتح الباري سياق الآيات كلها لرواية كريمة قال: والمراد منها هنا قوله تعالى: ({فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}) ولذلك عطف عليها في الترجمة وما يأكل من البدن وما يتصدق أي بيان المراد من الآية اهـ.

واعترضه صاحب عمدة القاري بأن الذي في معظم النسخ باب بعد قوله تعالى: ({فهو خير له عند ربه}) [البقرة: ١٨٤] وقبل قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>