فإن قلت: قوله بعد إكراههنّ مصدر أضيف إلى المفعول وفاعل المصدر محذوف والمحذوف كالملفوظ به والتقدير من بعد إكراههم إياهنّ والربط يحصل بهذا المحذوف المقدر فلتجز هذه المسألة. قلت: لم يعدّوا في الرابط الفاعل المحذوف تقول هند عجبت من ضربها زيدًا فتجوز المسألة. ولو قلت: هند عجبت من ضرب زيدًا لم تجز ولما قدّر الزمخشري في أحد تقديراته لهنّ أورد سؤالاً فقال: فإن قلت: لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهنّ لأن المكرهة على الزنا بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة. قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف أو
ذهاب العضو من ضرب عنيف وغيره حتى تسلم من الإثم وربما قصرت عن الحد الذي تعذّر فيه فتكون آثمة انتهى.
وهذا السؤال والجواب مبنيان على تقدير لهنّ انتهى.
وقد حكى ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال: فإن فعلتم فإن الله لهنّ غفور رحيم وإثمهنّ على مَن أكرههنّ قال: وكذا قال عطاء الخراساني ومجاهد والأعمش وقتادة وعن الزهري قال غفر لهنّ ما أكرههنّ عليه، وعن زيد بن أسلم قال غفور رحيم للمكرهات حكاهنّ ابن المنذر في تفسيره قال: وعند ابن أبي حاتم قال في قراءة عبد الله بن مسعود فإن الله من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم وإثمهنّ على من أكرههنّ انتهى. وهذا يرجح قول القائل إن الضمير يعود على المكرهات.
(وقال مجاهد) في تفسير (فتياتكم) أي (إماءكم) أخرجه عبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء قال إماءكم على الزنا، وهذا ساقط في رواية غير المستملي ثابت في روايته ولفظ رواية أبي ذر {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنًا} إلى قوله: {غفور رحيم}.
٢٢٨٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري) هو عقبة بن عامر (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن) أكل (ثمن الكلب) مطلقًا (و) عن (مهر البغي) بكسر الغين المعجمة وتشديد الياء وفي الفرع بسكون الغين والذي في اليونينية كسرها وإطلاق المهر فيه مجاز، والمراد ما تأخذه على الزنا لأنه حرام بالإجماع فالمعاوضة عليه لا تحل لأنه ثمن عن محرم (و) عن (حلوان الكاهن) بضم الحاء وهو ما يعطاه على كهانته.
وهذا الحديث قد سبق في أواخر البيوع.
٢٢٨٣ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ". [الحديث ٢٢٨٣ - طرفه في: ٥٣٤٨].
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن جحادة) بجيم مضمومة فحاء مهملة مفتوحة وبعد الألف دال مهملة الأيامي بفتح الهمزة وتخفيف التحتية
الكوفي (عن أبي حازم) بالخاء المهملة والزاي المعجمة المكسورة سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كسب الإماء) بالفجور لا ما تكتسبه بالصنعة والعمل.
٢١ - باب عَسْبِ الْفَحْلِ
(باب) النهي عن (عسب الفحل) بفتح العين المهملة وسكون السين آخره موحدة والفحل الذكر من كل حيوان.
٢٢٨٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (وإسماعيل بن إبراهيم) أمه علية (عن عليّ بن الحكم) بفتحتين البناني بضم الموحدة وتخفيف النونين (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) كراء (عسب الفحل) حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والمشهور في كتب الفقه أن عسب الفحل ضرابه وقيل أجرة ضرابه وقيل ماؤه، فعلى الأول والثالث تقديره بدل عسب الفحلِ، وفي رواية الشافعي -رحمه الله- نهى عن ثمن عسب الفحل، والحاصل أن بذل المال عوضًا عن الضراب إن كان بيعًا فباطل قطعًا لأن ماء الفحل غير متقوّم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه، وكذا إن كان إجارة على الأصح، ويجوز أن يعطي صاحب الأنثى صاحب الفحل شيئًا على سبيل الهدية لما روى الترمذي وقال: حسن غريب من حديث